: آخر تحديث

الميلشيات تقرع أجراس الخطر

69
78
75
مواضيع ذات صلة

هل يمكن ارتهان أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط لسلوك مجموعة من الميلشيات والأذرع الطائفية التي تعمل بالوكالة في خدمة مشروع اقليمي معروف للجميع؟ الجواب سيكون قطعاً بالنفي من الجميع، ولكن الحقيقة أن القضاء على هذا التهديد المزمن في منطقتنا يحتاج إلى إجراءات وخطوات على أرض الواقع، لأن الخطر لن ينتهي سوى باجتثاث أسبابه من جذورها.
هناك أسباب واعتبارات عدة للتوقف عند "مفرخة" الميلشيات الشرق أوسطية، لأنها اثبتت خطرها على الأمن والسلم الاقليمي والدولي، من هذه الأسباب ضرورة تحديد هوية العلاقات بين هذه الميلشيات وإيران؛ فليس من المنطقي ابقاء هذه العلاقات في خانة "الزواج السري" الذي يمكن لأي طرف انكاره أو تأكيده وقتما يرغب، لأن طرفي العلاقة يشعران بالارتياح لبقاء هذه العلاقة في المنطقة الرمادية، ولكن هذا  الاخفاء الطوعي يوفر هامش هروب أو تهرب من المسؤولية، على الأقل على الصعيد الرسمي، لأي من الطرفي أو لكليهما معاً في أزمات كثيرة. 
الحقيقة أن لا إيران ولا جماعة الحوثي ترغبان في الوقت الراهن تحديداً في ايضاح حدود مسؤولية كل طرف منهما أو كليهما معاً عن الهجمات الاجرامية التي شنتها ميلشيات الحوثي ضد دولة الامارات مؤخراً، فضلاً عن التهديدات السخيفة التي يطلقها يومياً المتحدث باسم هذه الجماعة الارهابية؛ حيث يعتقد كل منهما، أو كليهما معاً، أن الحفاظ على الغموض في هذه العلاقة يخدم مصالحهما المشتركة (الحوثي يرى أن من مصلحته ترسيخ الاعتقاد بتوافر الدعم التسليحي والاستخباري والخططي الايراني، وطهران ترى في تصعيد الميلشيات ورقة ضغط على جيرانها في الخليج العربي، وأيضاً على أجواء مفاوضات فيينا)، وهذا مايفسر تباين آراء المحللين والمراقبين عند مناقشة حدود مسؤولية إيران عن الهجمات الحوثية الأخيرة؛ وبين التأكيد والنفي على المستوى التحليلي يتوافر للنظام الايراني هامش حركة كبير يستغله في إطار مساعيه للحصول على تنازلات سواء من دول الجوار أو من القوى الغربية التي تشارك في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.
اللافت وسط هذه الضبابية المقصودة إيرانياً أن وسائل الاعلام المعروفة بولائها لرأس السلطة في طهران هي من تقود حملات التعبئة والشحن والتصعيد الاعلامي الحوثي ضد دولة الامارات، وهنا نكتفي بالاشارة إلى عنوان صارخ نشرته صحيفة "كيهان" الايرانية الرسمية، التي نشرت بتاريخ 23 يناير (أي قبل الهجوم بصاروخين استهدفا قاعدة "الظفرة" بيوم واحد)، صورة لأبراج الامارات وكتبت فيها بالبنط العربي "اخلوا الأبراج التجارية، صواريخ أنصار الله في الطريق"،  وهي إشارة يمكن أن تحمل رسالة مبطنة بأن الهجمات الحوثية ستتواصل، أو أنها على أقل التقديرات رسالة ترحيب واضحة بمواصلة استهداف الامارات (لو افترضنا جدلاً أن التعليمات لم تصدر من طهران)، حيث يصعب بناء تصور متماسك حول عدم وجود صلة بين هذا العنوان السخيف، وبين دعوة ميلشيا الحوثي الشركات الأجنبية والمواطنين والمقيمين في الإمارات للابتعاد عن المواقع والمنشآت الحيوية، متوعدة بتوسيع بنك الأهداف ليشمل مواقع ومنشآت أكثر أهمية الفترة المقبلة.
 الحقيقة الأكثر تأكيداً أنه لا أحد يريد تخريب أجواء الانفراج التي يتحدث عنها الجميع في الآونة الأخيرة بين إيران وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أو حتى التأثير سلباً على أي بادرة إيجابية في هذا المسار، فلا أحد في منطقتنا يحلم سوى بالعيش في أمان واستقرار، ولكن الموضوعية تقتضي القول بأنه لا سبيل لوضع أسس سليمة لعلاقات مستقرة عبر ضفتي الخليج العربي سوى من خلال المصارحة والمكاشفة، إذ لا يمكن التطوع بانكار وجود مسؤولية إيرانية في هجمات الحوثي طالما أن صاحب الشأن نفسه لم ينكر ارتباطه بهذا التصعيد بشكل واضح وصريح ولو من باب الحرص على الشفافية وتوفير بيئة ملائمة للانفراجة الأخيرة في العلاقات مع جواره الاقليمي.
الحقيقة أيضاً أن من الممكن اثبات حدود مسؤولية إيران في الهجمات التي يشنها الحوثي، وهناك سوابق في التاريخ الحديث لذلك، كما يمكن كذلك تأطير هذه المسؤولية وفق القانون والمواثيق الدولية، ولكن المؤكد أن هناك موقف دولي ضمني لابقاء الأمر في الوقت الراهن على الأقل  في إطار حدود المسؤولية الحوثية، والجميع يذكر هجوم الميلشيات نفسها عام 2019 على منشآت نفط تابعة لشركة "أرامكو" السعودية بطائرات مسيرّة وصواريخ أيضاً، وهو الهجوم النوعي الأكبر الذي اجتمع الخبراء على أن إيران تقف ورائه، ولكن لم تنتقل ردود الأفعال الدولية بعد ذلك إلى مرحلة "المحاسبة" وتحميل كل طرف مسؤولية أفعاله، رغم أن الهجوم في تسبب ـ لفترة وجيزة ـ في وقف نصف إنتاج النفط الخام لأكبر مصدر للنفط في العالم!
لا أقصد هنا التهوين من المواقف الدولية والاقليمية الداعمة لدولة الامارات والمملكة العربية السعودية في مواجهة الاجرام الحوثي، ولكني لا اقصد كذلك التهويل من آثار ونتائج هذه المواقف؛ فرغم حدة الغضب الاقليمي والدولي، ورغم رفع الغطاء الدبلوماسي العربي عن جماعة الحوثي، والدعم الذي حصلت عليه الإمارات في مواجهة هذا الإجرام، فإن الميلشيات لا تزال تفكر بعقلية إنتحارية وتهدد بتوسيع دائرة الإجرام والاستهداف، ما يدعو إلى ضرورة التحرك الدولي الفاعل والسريع للتصدي لهذا الخطر بالوسائل والطرق والآليات التي يكفلها القانون الدولي.
يدرك الجميع أن العالم مشغول بالتطورات المتسارعة في أزمة أوكرانيا، ولكن يجب الحذر ـ في المقابل ـ من أن تغري هذه الأجواء الميلشيات في منطقتنا بالمزيد من المغامرات وتوسيع دائرة الاستهداف لتشمل أطرافاً اقليمية أخرى من أجل تعظيم الضغوط على المجتمع الدولي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في