: آخر تحديث

ماذا يريد البرلمان الأوروبي من البحرين؟ تفضل!

73
64
70
مواضيع ذات صلة

"نواب البرلمان الأوروبي يبدون قلقهم إزاء أوضاع حقوق الانسان في البحرين بعد مضي عشر سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي"...

بعد ورود "الربيع العربي" ضمن بيان البرلمان الأوروبي – أعلاه- الأخير حول البحرين.. كان من المفترض أن ينتهي مقالي هنا بعبارة "فهم القارئ يكفي"، وكفى الله الكاتب والقراء شر التفصيل.. و"البرلمان الأوروبي" يكمن في التفاصيل !

ولكن كما قال الشاعر:

مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها!

والخطى مع الوطن.. هو أمر مكتوب علينا، نجري له.. لا نمشي.. حبا وكرامة.

هل تعلم عزيزي القارئ بأن البرلمان الأوروبي كان وما زال هو الداعم الأكبر والمسوق لأكبر عملية تقنين لانتهاك السيادة الوطنية للدول حدثت في تاريخ العلاقات الدولية؟! 

في عام 2011، عندما أراد الاتحاد الأوروبي وأمريكا تصفية شكل الدولة الليبية، وخلق حالة من الفوضى فيها ونهب ثرواتها الطبيعية وعلى رأسها النفط.. بذريعة التخلص من القذافي ونظامه.. أوجدت الإدارة الأمريكية برئاسة عراب الفوضى العربية حينها التي اسماها "ربيعا" أوباما، والاتحاد الأوروبي مسوغا لهذا التدخل عبر الأمم المتحدة بمسمى "حق التدخل" أو "مسؤولية الحماية" ما يعرف ب "Responsibility of Protection"، هذا المفهوم الذي لم يزل حتى اليوم محل نقد كبير بين الدول والمتخصصين خاصة في أوروبا، الذين رأوا فيه تقنينا سافرا للتدخل في السيادة للدول بانتقائية تخدم مصالح الدول المتدخلة، لا الدولة التي انتهكت سيادتها وشعبها.. وكلنا قد يتذكر ما خلف أكمة التدخل الأمريكي والأوروبي في دولة عربية، وتحديدا مثال العراق.. الذي كان المسوغ حينها هو الإطاحة بنظام صدام و"إحلال الديموقراطية".. ولك عزيزي القارئ أن تضحك مثلي هنا ضحكا فيه معنى الازدراء على حال "الديموقراطية" في العراق وليبيا اليوم بالكيف الأمريكي والأوروبي!

كان البرلمان الأوروبي قبيل الغزو الأوروبي والأمريكي لليبيا، يعمل ليلا ونهارا لتسويق ذريعة "مسؤولية الحماية" دوليا وبين الليبيين، أي أنه كان بمثابة "لواء التوجيه النفسي" ضمن قوات الناتو وأمريكا، لإقناع الليبيين بقبول فكرة هذا التدخل، وبأن هدفه إسقاط نظام القذافي وحقن دماء الليبيين و"إحلال الديموقراطية" في ليبيا.. ولك مجددا عزيزي القارئ أن تضحك معي هنا ضحكا فيه معنى الازدراء!

استمر البرلمان الأوروبي بلعب دوره التسويقي الذي كان ظاهره "إحلال الديموقراطية" لليبيين، وباطنه تدمير ليبيا وتقاسم نفطها فيما بعد.. منذ عام 2011، وحتى عام 2012 عندما استصدرت أمريكا والاتحاد الأوروبي قرار "2040" من مجلس الأمن تحت مسمى "مسؤولية الحماية"، وقصفت بعدها طائرات الناتو وأمريكا ليبيا ومن عليها دون التفرقة بين القذافي وقلته، والمدنيون الأغلب ممن لا ذنب لهم. ولا زلت أتذكر أول مهمة لدول الاتحاد الأوروبي ل"إحلال الديموقراطية" في ليبيا بعد إسقاط نظام القذافي، وجعل أرض ليبيا صفصفا وتقتيل وتشريد وتفريق أهلها حتى لحظة كتابة هذا المقال.. هذه المهمة تمثلت صراحة في مثل تصريح وزير الخارجية الفرنسية حينها: "الآن بات من المستحق والمنطقي أن تحصل الشركات الفرنسية على حق الامتياز من نفط ليبيا"!

قضت خطة البرلمان الأوروبي ما بعد تدمير ليبيا لإحلال "الديموقراطية" فيها.. فكانت حرفيا عبر دعوة عدد من أعضاء المجلس الانتقالي الليبي حينها لما يشبه "حفلة الشاي" في مقر البرلمان، وتقديم "كورس" لأعضاء المجلس الانتقالي مدته شهر عن "النظام الديموقراطي"، وثم "وداعا" بجميع لغات دول الاتحاد الأوروبي !.. خطة عمل البرلمان الأوروبي لإحلال "الديموقراطية" في ليبيا ما بعد القذافي جعلت من أغلب الليبيين الذين عانوا وما زالوا يعانون حتى اللحظة من حرب أهلية ودمار اقتصادي واجتماعي.. جعلتهم يتمنون عودة "جحيم" القذافي، والبصق على "نعيم" البرلمان الأوروبي الكاذب.

مكنني كوني مديرا إقليميا للمركز الأوروبي للدراسات الدولية والاستراتيجية، ومقره في عاصمة أوروبا، بلجيكيا، من أن أحضر في عام 2015، جلسة مناقشة حضرها عدد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي، دارت حول الديموقراطية في الشرق الأوسط وتداعيات "الربيع العربي"، وأذكر حينها بأن نائب رئيس المفوضية الأوروبية السيد/ كولن شيكلونا، كن من جملة المتحدثين، وفي كلمته انتقد أوضاع "حقوق الانسان" في منطقة الخليج تحديدا، وعندما فتح المجال للحضور للتداخل أعطيت الفرصة للتحدث، فخاطبته تحديدا: "مع كامل الاحترام سيد كولن، هل وقفت عيانا على أوضاع حقوق الانسان في منطقة الخليج، لتكون مثل هذه القناعة؟ فأجاب: "قناعتي هذه بنيت أغلبها عبر تقارير لمنظمات دولية مهنية ومعنية بحقوق الانسان"!.. فقلت له: "دعني أخبرك عن حقيقة أنت ومثل هذه المنظمات تتجاهلونها عمداً حول وضع حقوق الانسان في وطني البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي عموما.. المواطن الخليجي يتمتع بحقوق هي بمثابة أحلام لمواطنيكم في الاتحاد الأوروبي"!.. فسألني: "مثل ماذا؟!".. فأجبته: "المواطن الخليجي لا يدفع ضريبة دخل وضرائب أخرى تقصم ظهره، والدولة تتكفل بتعليمه وصحته بشكل مجاني، وتوفر له السكن، وحتى ما يعكسه أداء هذه الدول المشرف في المؤشرات التنموية الدولية، بل وحتى التكامل الخليجي فيما بين دول وشعوب مجلس التعاون الخليجي على قصر تجربتهم هو أفضل من ذلك الموجود بين دول الاتحاد وشعوبها على طول تجربتهم.. بينما مثل بعض هذه "الحقوق" – وخاصة إلغاء الضرائب- تعتبر أحلاما لدى مواطنيكم أنتم من تدعون توفير الرفاه الاجتماعي للمواطن الأوروبي!.. ويا ليتك تقترح كونك مسؤولا رفيعا في الاتحاد الأوروبي، أن يتم استفتاء مواطني الاتحاد على سؤال واحد.. هل تريدون الديموقراطية أم مستوى الرفاه الاجتماعي المتوفر للمواطن الخليجي؟.. ودعنا بعدها سيد كولن نستكمل حديثنا!".. انتهى، ولم يحدث مثل هذا "الاستفتاء" حتى اليوم! مع التنويه بأن صداقتي مع السيد كولن مستمرة حتى اليوم، والاختلاف كما قيل لا يفسد للود قضية.

قبل الختام، إليكم هذه المفارقة.. بينما كان يدبج البرلمان الأوروبي بيانه حول وضع حقوق الانسان في البحرين.. كان فخامة الرئيس الصربي/ أليكس فوتشيتس، ضيفا عزيزا في البحرين.. يلقي خطابه بحضور جلالة ملك البحرين، والذي ابتدأه بالثناء بحرارة وامتنان على ما قدمته البحرين من مساعدات طبية لصربيا خلال جائحة كورونا – ولا منة-، وهو الرئيس نفسه الذي خرج أمام العالم في مؤتمر صحفي في صربيا انتقد فيه بشدة تخاذل الاتحاد الأوروبي التام عن مد يد العون لبلاده في مثل ظرف وباء كورونا العالمي، وتساءل حينها.. "أين التضامن الأوروبي الذي بشرتم به دول هذه القارة قبل كورونا "؟!

ختاما.. وباختصار، البرلمان الأوروبي وقصته مع البحرين ينطبق عليها المثل المصري.. "ما لقوش في الورد عيب.. قالوا يا أحمر الخدين"!

كاتب وباحث بحريني


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي