: آخر تحديث

العرب والإسلام في نظر جاك بيرك

96
92
97
مواضيع ذات صلة

في كتاب صغير الحجم بعنوان: ”العرب والإسلام، يتحدث المستشرق الفرنسي الكبير جاك بارك (1910-1995) عن جملة من القضايا الهامّة المتّصلة برؤيته الفكرية حول العرب والإسلام.ومعلوم أن جاك بيرك ولد في الجزائر عام 1910. في عام 1934 أرسل الى المغرب لأداء الخدمة العسكريّة غير أنه ظلّ هناك 20 عاما موظّفا في الإدارة الإستعمارية .وبسبب عدم رضوخه للأوامر الإداريّة الصّارمة، وتمرّده على القوانين ،أرسل الى جبال الأطلس العليا ليعمل هناك في ظروف قاسية للغاية .غير أنّ اكتشافه للمجتمع البربري، ولتقاليده خفّف عنه وطأة العقاب، محرّضا إيّاه على الدراسة والبحث.وكان كتابه الشهير :”البنى الإجتماعيّة في الأطلس الأعلى"، والذي فتح له أبواب "الكوليج دو فرانس" ،أعلى مؤسّة جامعيّة في فرنسا،ثمرة جهوده السّالفة الذّكر. وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي، عيّن خبيرا في "اليونسكو"لتحظى آراؤه وأفكاره بالإعتبار والتقدير من جانب الدوائر العليا في الدولة الفرنسيّة. وفي تلك الفترة شدّد على أنّ المستقبل مرهون ببناء ما سمّاه ب"المجموع المتوسطي الإسلامي". وقد وضّح ذلك قائلا:”إني أعبّر عن رمز هذا المجموع من خلال أسطورة الأندلس حيث يبدو أن النظم الثلاثة، الإسلاميّة واليهودية والمسيحية تعايشت في سلام لقرون عدّة".

وخلال الستينات انكبّ جاك بيرك على ترجمة القرآن .كما ألّف كتابا بعنوان:”إعادة قراءة القرآن" الذي لا يزال يعتبره الكثيرون مرجعا أساسيّا لفهم النصّ القرآني.إضافة الى ذلك ،قام بترجمة مختارات من كتاب"الأغاني"، والعديد من النصوص الكلاسيكية الأخرى. وعند بروز الحركات الأصوليّة المتشدّدة في الجزائر، أعلن أن ذلك عائد إلى الإرث الإستعماري، وإلى الأخطاء الفادحة التي ارتكبها النظام الجزائري في الحقبة التي تلت الاستقلال مبيّا أن الهدف الأساسي للحركات الأصولية التي تزعم أنها تستمدّ قوّتها من الماضي الاسلامي "المجيد" هو استعمال الدين من أجل أهداف سياسية محضة.

وفي المقدمة التي خصّصها للكتاب المذكور، يذكر جان سور أنه التقى بجاك بيرك في تونس عام  1963وذلك خلال المؤتمر الذي عقدته جمعية الجامعات المستعملة للغة الفرنسية. وهو يقول عن مؤلفاته:”إنّ قراءة جاك بيرك علّمتني بكلّ بساطة ما سمّاه باول كلي ب"سيولة ميادين الحياة".نصوصه تمسّني على مستويات متعدّدة، مثل الانتساب الاجتماعي، والالتزام السياسي، والشعور الديني. وهي تمنحني قراءة موحدة لكنها مفتوحة، وتغرسني في ذاتي، وفي ذات الوقت تحرّرني منها. وهي تمنحني بالخصوص توافقات وتطابقات بين مصيري الذي كنت أظنه متوحدا، وبين شعوب أخرأجهل ثقافاتها جهلا تامّا تقريبا".

بعد لقاء تونس المذكور ، شرع جان سور في تبادل الرسائل مع جاك بيرك الذي اصبح منذ ذلك الوقت" معلّمه الرّوحي".وعن ذلك كتب يقول:”عقب السنوات التي تلت عام 1962 ،تبادلت الرسائل مع جاك بيرك. وكان يرسل لي بترجماته للشعر العربي، ولمعلّقة امرؤ القيس بالخصوص، والقصيدة الاولى لذي الرمة. غير أن كتب جاك بيرك النظريّة هي التي كانت تشدّ انتباهي .فلقد كانت ملتقى لكلّ المبادلات.ولم يكن سخاؤها يهمل ايّ شيء يثير فضولي أو خوفي. وقد اعتمدتّ على تلك المؤلفات لكي اعمّق افكاري حول ما أصبح شغلي الأساسي المتمثل في تعليم وتكوين الكبار".

وفي بداية حواره مع جاك بيرك يقول جاك بيرك بإن الاسلام هو آخر الديانات السماوي، والذي يدين به أزيد من مليار نسمة يظلّ مع ذلك مجهولا كبيرا حتى هذه الساعة. ودائما هو في تنافر مع ما يحيط به. فهو في تنافر مع الغرب رغم قربه منه جغرافيا، وتاريخيا، وحتى من ناحية القيم والمفاهيم إذ أنّ الحضارتين الاغريفية-الرومانية والاسلامية متجاورتان، وبينهما كانت هناك علاقات كبيرة عبر التاريخ. وقد تالّم الاسلام من هذا الجوار، وربما من هذا التواطئ الكبير مع الحضارة المتوسطية". وعن انشداد الاسلام لأصوله الاولى، يقول جاك بيرك بأنه علينا أن نقول إن الاسلام كان الموحي الأساسي لحضارة عظيمة عرفها الكون خلال القرن العاشر، ولم يَعرف ما يُعرف في الغرب ب"النهضة".ولن نجد في تاريخه شخصيات من امثال غاليلي ،ونيوتن،وديكارت. كما لم يعرف القفزات على المستوى الكيفي التي عرفها الفكر الغربي. وجميع الجوانب العظيمة في حضارته لم تعرف ذلك التحوّل الذي أتت به "النهضة"الاوروبية، والذي لم يتمّ بسهولة، ولا من دون مقاومة من جانب القوة الدينيّة . وفي القرن الثامن عشر، حدثت الثورة الصناعية، وانتشرت في مناطق متعددة، خصوصا في الغرب. غير ان الاسلام ظلّ بعيدا عن هذه الثورة. بعدها ازدادت الثورة الصناعية انتشارا لكن على شكل امبريالي.و يرى جاك بارك أنه على المستوى الجغرا-سياسي يمكن القول أن الاسلام يحاول الى حدّ هذه الساعة تدارك ما فات بنسب متفاوتة من النجاح غير ان ذلك لا يعني نقصا في العقيدة على المستوى الديني والميتافيزيقي".ويضيف جاك بيرك قائلا:”كلّ المجتمعات الاسلاميّة تبدي رغبة حارّة في الدخول الى الحداثة .واعتقد أن الامر الذي لم يفهمه الغرب هو أن من نسمّيهم اليوم ب"الاصوليّون " ليسوا مثل اوصوليي الجيل السابق. فهؤلاء كانوا معادين للتقدم، وكانوا يناضلون ضدّ كلّ اشكال التغريب .فمثلا كانوا يرفضون أن يبث القران عبر الراديو.ولعلهم كانوا يرفضون أيضا السكك الحديدية.امّا اصوليو المرحلة الجديدة فيدعون الى التقدم التقني، والى الاسنفادة من الثورة التكنولوجية، وإلى تعميم التقنيات الحديثة. غير أنهم يرفضون ان يحصل المسلمون على هذا التقدم عبر السير في نفس الطريق الذي سار فيه الغرب.

ما هوهذا الطريق إ ذن ؟انه طريق الديمقراطية والنقد والانوار بجسب جاك بارك الذي يتحدث في نهاية الكتاب عن الصراع العربي -الاسرائيلي قائلا:”من الواضح ان هناك من الجانبين صقورا وحمائم. غيرأن السلام لن يتحقّق الاّ بانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي