: آخر تحديث

طهران مطوَّقة بثورة لبنان وانتفاضة العراق وصفقة سوريا وتطوّرات اليمن

118
127
109

تُطوَّق مشاريع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق ولبنان وسوريا واليمن لدرجة يجب أن تجعل قادتها يخافون، ويخافون كثيراً. في سوريا تم تطويق المشروع الإيراني عبر صفقة أميركية –تركية – غمزت روسيا موافِقةً عليها – أدّت عملياً الى قطع الطريق على الممر الذي أرادته طهران أساساً لاستراتيجية الهلال الفارسي الذي يربطها بالبحر المتوسط عبر الامتداد في العراق وسوريا ولبنان. في العراق هناك نقمة شيعية على تمادي إيران في العراق وصلت درجة رفع شعارات "إيران برّا، برّا" واجهها بلطجيّة "الحشد الشعبي" - المدعومين من "الحرس الثوري" في طهران – بإطلاق النار على المتظاهرين المدنيين في كربلاء، عقر دار علماء شيعة العراق. في لبنان، سقط الخوف من "حزب الله" وسقطت حكومته –حكومة التسوية – وسقط إصبع التهديد الشهير الذي اعتاد من يهزّه أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لحشد الانصياع له والرعب منه. فارتجفت طهران. ثم زاد اليمن من توسيع رقعة المأزق الإيراني الناتج عن التوسّع خارج الحدود الذي يعتمده أركان القيادة في طهران أساساً لمنطق النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ذلك ان استراتيجية الخروج من حرب اليمن لكل من السعودية والإمارات بدأت تثمر وبات أمام الحوثيين خيار لم يكن متاحاً في السابق، وهو خيار الانتماء الى اليمن عبر الفيدرالية بدلاً من التشوّق الى طهران عبر حرب بائسة وأموال جفّت بسبب العقوبات الأميركية.

ماذا ستفعل القيادات الإيرانية أمام هذا التطويق ليس معروفاً، لكن خياراتها صعبة إذا أصرّت على رفض تعديل وتطويع وإصلاح منطق النظام التوسّعي. لعلّ ما تبقّى أمام هذه القيادات هو الرهان على عدم حصول دونالد ترامب على ولاية رئاسية ثانية. وهذا فعلاً بات وارداً الآن بسبب استفحال الاعتباطيّة لدى ترامب مما أدى الى نفاذ صبر الأكثرية الأميركية سيما أمام استهتاره بقواعد الحكم والدستور الأميركي. إنما حتى وإذا لم يحصل دونالد ترامب على ولاية ثانية، لقد وضعت المؤسسة العسكرية والمدنية سياسة واضحة نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية قوامها الردع عسكرياً detterranceعسكرياً وممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية عبر العقوبات، والتأهب لإجراءات إذا اقتضت الضرورة، والإصرار على عدم الانجرار الى الحرب. هذه سياسة ستبقى ثابتة ما لم تتحرّش إيران أو أحد أذرعتها بالقوات الأميركية في الشرق الأوسط، فتستدرج الرد عليها عسكرياً، وما لم تنفّذ توعّداتها بالخروج من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية NPT، فتواجه إجراءات نوعية. هذه سياسة الولايات المتحدة الأميركية وليست مجرد سياسة دونالد ترامب.

الجنرال كينيث ماكنزي، قائد قوات CENTCOM القيادة المركزية الأميركية، تحدّث الأسبوع الماضي أمام مؤتمر المجلس الوطني للعلاقات الأميركية – العربية في واشنطن NCUSARوأوضح أن إيران هي إحدى الأولويّات لكنها لا تقترب من أولوية الصين وروسيا في الحسابات الأميركية الاستراتيجية والتي تبقى أولوية قاطعة. حذّر من الانطباع الخاطئ والحسابات الخاطئة فيما يتعلق بتواجد، أو انسحاب، القوات الأميركية من منطقة الشرق الأوسط والخليج، وقال ان إيران تبقى تحت المراقبة. تحدّث عن معادلة "الردع بدون الاستفزاز" كتحدٍّ مهم في الحسابات الأميركية نحو إيران، وتكلّم عن استراتيجية أميركية بعيدة المدى تضع الصين وروسيا في الطليعة، وليس الاستفزاز أو الابتزاز الإيراني.

هذا يعني فشل خُطط بعض القيادات الإيرانية التي تعمل نحو استدراج عمل عسكري أميركي ضد إيران بهدف تحويل الأنظار عن الوضع الداخلي الرديء والمتفجّر. الولايات المتحدة لن تلبّي الدعوة الى فك الطوق عن القيادة في طهران عبر التورّط في حرب مع إيران. فإذا أوقعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها في ورطة ومأزق ومطبّ بسبب سياساتها الداخلية أو بسبب العقوبات الأميركية، فهذه ورطتها ومأزقها ومطبّها. وإذا طوّقت نفسها بسبب سياساتها الإقليميّة التوسعيّة واعتمادها أساليب إنشاء القوات غير النظامية أو الميليشيات التابعة لطهران في دول سيادية، ان ما فعلته عمليّاً هو تطويق نفسها وأذرعتها. ذلك أن في منطق النظام خللٌ رهيب لا يمكن المضي به في هذا الزمن، زمن الأجيال الواعية.

جيل "زي" Z، كما يسمّى، هو الذي يصنع المستقبل في لبنان، على سبيل المثال، حيث "حزب الله" تحكّم بالأجيال التي سبقته. لكن جيل "الواي" Y، أي "جيل الألفية" الذي كان مُحبطاً استفاق لدعم الجيل الجديد. كما ان أهالي الجيلين، أي جيل Baby Boomers الذين أكثروا الإنجاب، وقفوا هذه المرة مع جيليّ Z وYفي ساحات الاحتجاج، وساروا في المظاهرات، ووقفوا في وجه الاستفزازات، وقالوا لأولاد الثورة: سيروا، نحن معكم. وهكذا أفشلوا مشاريع طبقة الفساد التي اعتادت على أنماط الاحتواء وراهنت على إخماد الثورات كما جرت العادة.

جيل الشباب في لبنان والعراق، بدعم من الأمهات والجدّات وكذلك الأطفال، هو جيل الانتصار على الخوف والانصياع. انه ينتفض على الفساد في داره وعلى طبقة سياسيّة ظنّت بغباءٍ قاطع ان امتيازاتها هي تأشيرة للجشع ولتوطيد نظام الفساد. ينتفض أيضاً على افتراضٍ ووعدٍ قطعه أرباب النظام في طهران قبل 40 سنة بأن في وسعهم التحكّم في أحلام الأجيال العربية بواسطة الطائفية والتخويف وقمع الحرّيّات وعبر سلاح الجيوش غير النظاميّة التابعة لطهران.

لن يزول "حزب الله" في لبنان غداً، بسبب الثورة، ولن يوافق "الحشد الشعبي" على الانضواء تحت لواء جيش العراق بعدما منعته طهران من أن يفعل. لكنهما ضَعُفا، وكثيراً. كلٌ منهما يواجه سخطالناس الذين افترض خطأً أنهم تلقائياً أتباعه. "الحشد الشعبي" سيدفع غالياً ثمن إطلاق النار على شيعة العراق المعارضين لولائه لإيران أوّلاً وثمن توغّل "الحرس الثوري" الإيراني بين صفوفه لقمع المتظاهرين بالسلاح والنار. ما يطالب به الثائرون العراقيّون هو كف إيران عن تقرير مصير العراق وعن التدخّل السافر في كل شأن عراقي.

وما يطالب به الثائرون اللبنانيون من "حزب الله" هو التوقّف عن إعلان ولائه أولاً للنّظام في طهران. فهذا ليس بلد "ولاية الفقيه"، ولن يكن لأن تركيبته ونظامه السياسي غير قابل لمثل هذا الانجراف عن مسيرته المدنيّة. طَالبَ وحقّق جيل الثورة إسقاط حكومة "التسوية" التي قام "حزب الله" بحياكتها مع سعد الحريري، رئيس الحكومة المستقيل، ومع ميشال عون، رئيس الجمهورية الذي نصّب صهره جبران باسيل الاستفزازي والغوغائي وكيلاً عنه.

"حزب الله" قد يلجأ الى إراقة الدم عمداً، إذا استمرت الثورة على الفساد وعلى الطبقة السياسية الحاكمة والمفعمة بوقاحة الفساد. فهو قد يقرر ان انتصار الثورة يعني إزاحته عن السلطة والإطاحة بتحكّمه بمستقبل لبنان كما بمركزيّته في المشروع الإيراني الإقليمي انطلاقاً من امتلاكه لبنان.

السؤال إذن، هو، ماذا سيفعل الجيش اللبناني إذا صدر قرار تحويل ساحات الاحتجاج السلمي الى ساحات قتال عبر اجتياح "الشبّيحة" لها؟ هل سيقف الجيش متفرجاً على قمع المدنيين، أم انه سيقف مع الناس في وجه المعتدين؟

حتى الآن، يمكن القول ان قائد الجيش الجنرال جوزيف عون مطمئن الى تماسك الجيش وأدائه مهامه بجانب الناس. يمكن القول ان لا خوف أن ينشّق الجيش بل الأرجح أن يحدث الانشقاق في صفوف "حزب الله". حتى الآن يمكن الرهان على عدم انزلاق الجيش الى قمع المظاهرات لأن الانزلاق سيكون مكلفاً ومصيرياً. قرار ترامب حجب 105 مليون دولار عن الجيش هو رسالة ضغط كي لا يقع القرار الخاطئ.

ما تتّفق عليه الدول التي يهمّها أمر لبنان هو عدم الاستعجال الى انقاذه من الانهيار فيما السلطات المرفوضة ما زالت مكانها. ما تريده هو أن يقع التغيير المطلوب فوراً، ابتداءً بتشكيل حكومة تكنوقراط حالاً وليس بمطّاطيّة الصفقات المعهودة. فاستقالة سعد الحريري هي أُولى المحطّات، وليس مسموحاً لها أن تكون المحطة الوحيدة. لذلك يتأهب كل المعنيين لإنقاذ لبنان اقتصادياً فور إثبات العزم الصادق على تأليف حكومة تكنوقراطية تتولى مهمة انقاذ البلد اقتصادياً ووضع قوانين المحاسبة على النهب والفساد وإطلاق عملية انتخابات برلمانية جديدة على أساس قانون نزيه.

استقالة الحريري مهمّة لأنها أولاً لبّت مطلباً أساسياً للثورة، ثم أتى غضب الشارع السنّي من احتمال الاكتفاء بها ليؤمّن لسعد الحريري الحماية من القتل وربما أيضاً عودته الى تشكيل الحكومة التكنوقراطية. هذه الاستقالة أسقطت حكومة "التسوية" وأضعفت جذرياً قطبيّ "حزب الله" والتيار الوطني الحر ممثّلاً بالرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل. وهذا انجاز أوّلي يجب البناء عليه تدريجياً من خلال المثابرة على أساس استراتيجية واعية قوامها "خذ وطالب".

في هذه الأثناء، يجب على أبناء الثورة داخل لبنان وداعميها من اللبنانيين في الخارج diaspora أن يحضّروا ملفات الفساد للمحاكمة على السرقة والنهب. يجب أن يفعلوا ذلك بكل دقة وتأنّي، عبر مهنيين من قضاة ومحامين ومصرفيين وغيرهم. هكذا يمكن اعادة التخويف الى منبعه، وهكذا يعود الخوف ليمتلك رجال الجشع والاستعلاء.

انها مسيرة ثورة وليست محطّة احتجاج، والجيش بات صمّام الأمان للشعب في لبنان.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في