: آخر تحديث

من بلاد الحرمين إلى جزيرة محمد

68
65
72
مواضيع ذات صلة

أطلت رأس الأفعى من جديد ، في الوقت الذي ظهر وكأن " داعش " يتنفس بصعوبة ، ويلفظ آخر رمق من قدرته على الاستمرار ، خرج الزعيم المصنوع لأداء دوره الخدماتي لرعاته وبناته وزبائنه ، في ١٨ دقيقة هي مدة التسجيل الذي ظهر خلاله البغدادي بهيئة رثة يهدد السعودية ويكفّر جنودها ويحرض على قتلهم ويبارك عملية ( الزلفي ) الفاشلة التي وقعت قبل أسابيع شمال العاصمة الرياض.

ظهر البغدادي في الوقت الذي تحيق التحديات بإيران وبعض عواصم الإقليم الدائرة في فلكها ، ينعش مشروعات الذئاب المنفردة التي بدأت باستلام مهامها التخريبية للحد من فعالية الدول التي تواجه إيران ودول التخريب بالمنطقة.

يرفع بعض الحرج والضغط عن هذه الدول ، ويقدم خدماته المجانية المسمومة بأهواء الإيديولوجيا والغارقة في دماء الأبرياء والمستضعفين ، ويمد في عمر المشروع الانهياري الذي يخلف المنطقة خراباً عامراً بالفراغ ، تمهيداً للحظة التمكين الإسلاموية التي تحطمت على صخرة وعي المجتمعات وجسارة بعض عواصم الخليج بقيادة الرياض وابوظبي.

ولأن داعش بحقيقتها وأدوارها المريبة ، هي مجرد أداة وتفصيل في سجادة مؤامراتية كبيرة ، تجعل كل شيء عرضة للتوظيف والتزييف ، وجّه زعيمها المشبوه سهامه إلى السعودية بالأساس ، وهي التي تقود قاطرة العرب لمواجهة مشاريع الخراب الكبير ، ومناكفة المتداعين على العرب من الأمم المجاورة والجائرة.

البغدادي يظهر للمرة الأولى منذ خمس سنوات في اللحظة المواتية لأعداء الرياض ، في ذروة أزمة ايران داعياً للجهاد ضد السعودية ، إيران التي تكثف هجماتها على المملكة وتضغط على الحوثيين في اليمن لرفض العملية السياسية ، وتوعز لوكلائها في العراق مهاجمة التقارب مع العرب وقطع الطريق على جهود السعودية لإعادة تموضع بغداد في الحاضنة العربية الواسعة ، وإطلاق تصريحات معادية مثل بيان الصدر السافر في الشأن البحريني.

في وسط كل هذه المرارات التي تقاسيها إيران ، يبزغ نجم البغدادي من جديد ، ويجلس على يساره شخص يرتدي الزي الرسمي السعودي ، ويهاجم الرياض ، ليعقبه أمين حزب الله في لبنان بأيام ويهاجم السعودية ويتهمها بتفجيرات سيرلانكا ، وهو الذي تساوره الشكوك والمخاوف تجاه المستقبل المجهول الذي ينتظره نتيجة تضييق الخناق على إيران.

كان لافتاً في حديث البغدادي ، استخدام اللازمة المألوفة لدى جماعات القاعدة وداعش ، وحركات المراحل التأسيسية من الإخوان والسروريين وحركيي الصحوة ، وهي استخدام ألقاب مثل بلاد الحرمين ، وجزيرة محمد ، وسواها من الأسماء التي تلغي الاسم الرسمي للمملكة العربية السعودية وتجاهر بإنكار شرعيتها ، وتضمر تكفير قيادتها واستباحة دماء أهلها ، إذ كانت جماعات الصدر الأول من مستعمرات الحركيين توطن في نفوس أتباعها التنكر للصيغة الرسمية التي تقوم عليها السعودية ، وتمهد نفسياً وفي لاوعي جماهيرها وحشدها المعبأ استعداداً مضمراً لاستمراء الهجوم عليها ونقضها من الداخل والتفريط في مستمسكات الاستقرار والشرعية والعقد الاجتماعي المؤسس لكيانها القائم.

ويشكل هذا الخطاب المعهود من لدن هذه الجماعات ، استمراراً لنفس النهج والأسلوب والسياق الذي يرعى حالة التطرف ويبيئه في نفوس الأجيال رغم تقادم الوقت وخيبة النتائج وجنونية المآلات والمهالك التي أودت إليها هذه الخيارات الفجة.

لم تكن استعادة ورقة البغدادي وإنعاش دوره وحضوره في مثل هذه الظروف ، إلا بمثابة حيلة العاجز ورقصة ذبيح يكابد مشروعه للبقاء بعد أن استنفد ألاعيبه ، تدرك السعودية وبقية أصدقاء الهم العربي أن المواجهة تحتدّ في أشواطها الأخيرة لكن الحزم والصرامة التي اتسمت بها في سياساتها الأخيرة والقطيعة مع النهج التقليدي القديم سيجلب على المنطقة رغد الاستقرار وقطع الطريق على مشاريع التخريب والتجريف التي مكثت طويلاً على صدر المنطقة وأودت بها إلى ما هي عليه اليوم من متاعب ورهق.

تبدو المواجهة قاسية ومكلفة ، لكنها ضرورية ومفيدة بنهاية المطاف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي