: آخر تحديث

مذبحة نيوزيلندا وخطر العنصرية المقبل

65
72
68
مواضيع ذات صلة

كشفت مذبحة نيوزيلندا عن حجم ما وصل إليه اليمين المتطرف، والعنصرية المتفشية في الغرب من خطر داهم، أصبح  يهدد الأقليات المسلمة في بلاد الغرب . 

لم يكن الحال هكذا قبل سنوات،  لكن استمرار تغذية اليمين المتطرف من قبل إعلاميين وسياسيين أوربيين سمم المناخ الأوربي العام،  وعزز ظاهرة الاسلاموفوبيا حتي أصبحت هاجسا مرعبا للأوربيين، وساهمت في عزل المسلمين والتنكيل بهم  .

تغيرت أوربا مع الإخفاقات السياسية التي مرت بها القارة في السنوات الأخيرة في حل مشاكلها في مجال مكافحة الإرهاب،  ومشكلة اللاجئين الفاريين إلى القارة، وبوادر انفراط العقد الأوروبي وخروج بريطانيا من الاتحاد..فظهرت الخطابات الشعبوية مستغلة أحداث إرهابية  قام بها مسلمون في أوربا ينتمون إلى عائلات ذات خلفيات اجتماعية مضطربة وفقيرة، لتركز على دغدغة عواطف الناس بالعبارات القومية  الرنانة التي تؤكد على الإيمان بالعرق ونبذ المختلف حتى تضمن التأييد الشعبي لها، فساعد ذلك كثيرا على بث روح العداء والكراهية للأقليات العرقية،  ومن ثم سادت روح العنصرية في أوروبا، وانبثقت جماعات عنصرية متعددة كانت تتواري خجلا من قبل فأصبح لها صوت مسموع  الآن، وممثلين برلمانين ووزراء.

رغم حالة الضعف والوهن التي تعيشها الأقليات المسلمة في الغرب نتيجة  الأزمات التي لاحقتهم  في بلادهم الأصلية، وكانت سببا في فرارهم كلاجئين طالبين الأمن والأمان في دول تعتمد قوانينها ومواثيقها حرية الأفراد والعبادة والكثير من  الضمانات الاجتماعية والإنسانية،  إلا أنهم  فوجئوا بأنهم  أصبحوا هدفا لأحزاب يمنية  تستمد قوتها وتفوقها من المتاجرة بهم .

لم تكن الأزمة  الاقتصادية العالمية التي مرت بها أوروبابعيدة هي الأخرى عن الدفع بصعود الأحزاب اليمينية التي استغلت الأزمة في اللعب بمشاعر الناس وتحذيرهم من خطر المهاجرين واللاجئين والمدي الذي يتسببون فيهبالإضرار بالاقتصاد الأوروبي،   وهذا  بالضبط ما فعله ترامب الذي أشاد به مرتكب مجزرة نيوزيلندا، عندما شدد في كل خطاباته على أن أمريكا للأمريكيين فقط ، وحذر من خطر المهاجرين.  إنه نفس الخطاب الذي انتهجه هتلر قبل بداية الحرب العالمية الثانية، عندما انتقد سوء تردىالأوضاع الاقتصادية بسبب التكاليف الباهظة للحرب العالمية الأولى، وإبرام معاهدة فيرساي، والكسادالاقتصادي وطالب بتعويض الخسائر التي تكبدتها ألمانيا في الحرب العالمية الأولى .

لا شك أن  العالم يقف الآن مذهولا امام بشاعة الجريمة التي وقعت بحق المسلمين في نيوزيلندا، لكنهم  تناسوا  عن عمد الأسباب التي أدت إلى ذلك، والمخاطر التي كانت تنذر بذلك - فأين كان العالم؟ ولماذا سمح  بمؤتمر كوبلنز في ألمانيا الذي أطلقت عليه الصحافة الألمانية وقتها اسم مؤتمر الكراهية؟، والذي جمع قادة  الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا  بعد انتخاب ترامب ، وذلك من اجل العمل معا، وتوحيد الصفوف،  ومباركة نجاح ترامب ، وكان من ابرز الحضور فيه ماري لوبان الذي أشاد بها سفاح نيوزيلندا،والتي ترى أن العالم يتغير لصالح اليمين،  وكل ما كان يهم المؤتمريين وقتها هو الاتفاق علي  إنشاء برلمان عنصري موازي للبرلمان الأوربي يصدر قرارات يروج لها اتباع اليمين واهمها هو مراجعة الاتفاقية الموقعة مع تركيا بخصوص اللاجئين،  ووقف استقبالهم،  ثم التمهيد لأعادتهم إلى أراضيهم التي نزحوا منها،  وعمل كل دولة من دول الاتحاد بمعزل عن الأخرى فيما يتعلق بملف اللاجئين. 

مما لاشك فيه أن جراءة ما حدث في نيوزيلندا لم يكن محض صدفة، بل جاء نتيجة تدشين عهد جديد من الكراهية استمدت وقودها ليس فقط من مشاكل اللاجئين، بل من كراهية مقيتة ترجع إلى عهود الحروب الصليبية،  وهذا ماحاول القاتل التركيز عليه بخط عبارات المواقع الحربية علي سلاحه بين مسلميين ومسيحيين .

 للأسف العالم مقبل علي عهد عنصري بغيض يعتمد  تقسيم الناس  من جديد حسب اللون والدين والعرق. راية العنصرية والكراهية المقيتة ترفرف من جديد، ففي ألمانيا على سبيل المثال ما كان محظورا من قبل اصبح مصونا يمارس نشاطه في العلن، و يتظاهر أسبوعيا، كحركة بيجيدا المتخصصة في معاداة الإسلام والمسلميين.   

ليس كل الغرب عنصري فهناك كثيرون يعرفون مدي إسهامات الحضارة الإسلامية في تفوق حضارة الغرب،ويعترفون أنه لولا أن حكام الغرب استندوا  إلى الحضارة العربية الإسلامية في المشرق، واستفادوا من تحصيلهم للعلم في الأندلس الإسلامي المنفتح على كل طلاب العلم وقتها،  لكانوا قد استمروا قروناً إضافية في عصور الظلام . حتي أن المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبان كتب عام 1884 عن حضارة العرب بأن التاريخ "لم يعرف فاتحاً أرحم من العرب" فقد كان  المسلمون أثناء وجودهم في الأندلس منفتحين علي كافة التيارات، ولم يكن هناك تمييز ولا تحيز ضد عرق أو دين، فنهل الجميع من حضارتهم مسيحيين ويهود، وكان هذا هو سر الإبداع والتفوق ، فكل أمراء ونبلاء أوروبا حجوا إلى الأندلس لتلقي العلم وعندما عادوا إلى بلادهم نشروا العلم والمعرفة التي كانت بداية تباشير عصر النهضة في أوروبا .

لا أحد يستطيع التكهن متي وأين يمكن لدائرة الصراع بين الحضارتين أن ينتهي؟!! لكن فيلما تسجليا ألمانيا شاهدته قبل عدة سنوات قليلة، أكد أن الصراع بدأ ولن ينتهي، فقصة الفيلم الذي عنوانه "مسجد لا شكرا" تدور حول توتر العلاقة بين مسيجين ألمان وأتراك مسلمين في مدينة فيرت هايم الألمانية حول بناء مسجد، نجد أن عمر أقبلات المسلم التركي  الذي درس وتعلم واصبح المانيا من حقة ممارسة شعائره  في المسجد الذي يسعى لإنشائه، بينما يرىالألماني فيلي شفيند الذي يعارض بناء المسجد  أن بنائه هذه المنطقة لا يجوز بسبب هوية المدينة المسيحية ، ثم أن المسجد سوف يهبط بأسعار العقارات، إضافة إلى توجس وخيفة السكان المجاورين للمسجد من المسلمين ، وتدور الأحداث  وينتهي الفيلم  دون  أن ينتهي الصراع وهو ما اصبح  هاجسا عالميا الآن.. صراع ديني بدأ ولايمكن التكهن بنهايته! فقط الحكمة والحنكة هي التي ستقود صاحبها إلى الانتصار !

إن ثمة تعاطف لا تخطئه العين مع المسلمين بعد تلك الحادثة فهل ياتري سيوظف المسلمون ذلك لصالحهم؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في