: آخر تحديث

ضرورة تجديد الخطاب الديني بما يلائم العصر والزمان

79
92
87
مواضيع ذات صلة

دعا مؤتمر "مفهوم الرحمة والسعة في الإسلام" الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي مؤخرا في "منى" إلى إقرار مادة القيم الإسلامية والمشتركات الإنسانية كمتطلب أكاديمي لجميع التخصصات، في الجامعات العربية والإسلامية، مشددا على ضرورة تشجيع البحوث والدراسات الـتي تؤصل لمبدأ الرحمة والسعة فـي الإسلام، وتبرز أهميته، وتسعى إلى التعريف به ونشره، مشيرا إلى أن الرحمة والسعة هما الميزتان الأكثر تأثيرا في الأحكام الإسلامية، وبها أصبحت منظومته الأخلاقية مختلفة تماما عن المنظومة النفعية. 
كما أوضح المؤتمر أن الإسلام برحمته الواسعة والشاملة وتجربته الحضارية الفريدة ومرونته الـمشروعة، ينسجم زمانا ومكانا، ويتعايش ويتعاون مع الجميع بشهادة واقعات التاريخ الموثقة لا المنتحلة على الإسلام والمسلمين، موصيا بإبراز جوانب الرحمة والسعة في الإسلام، وذلك بالتصدي لكل من ضيّق على الناس في دينهم ومعاشهم، وكل من فَتَنَ بعضهم ببعض بفاسد أفكاره ومُتطرف أقواله وأفعاله، فأشاع العداوة والبغضاء والكراهية بين المسلمين بعضهم البعض وغير المسلمين. (إيلاف – الاحد – 26 أغسطس 2018م).
إن الخطاب الديني بحاجة ماسة وضرورية للتجديد وذلك بتوظيف وسائل الاعلام الحديثة في نشر الرسالة الإسلامية ذات القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة، ومخاطبة كل الناس على اختلاف مشاربهم وافكارهم وتوجهاتهم. ومن المهم ان يرتقي هذا الخطاب المعاصر الى مستوى التحديات الجديدة التي افرزتها العولمة، وذلك من خلال فهم لغة العصر وثقافته وتجديد الخطاب بما يتلاءم مع روح العصر ومنجزاته العلمية والفكرية، وتجاوز الاستغراق في قضايا الماضي ومورثاته، والانفتاح على قضايا الحاضر واستشراف المستقبل.
والخطاب القادر على التأثير أيا كان توجهه (ديني، سياسي، فكري، اجتماعي) هو الذي يمتلك عناصر العملية الإعلامية المتكاملة من كوادر مؤهلة ومتخصصة، وامتلاك المعلوماتية بشكل او بآخر، وتقديم خطاب علمي ومعرفي. وعندما يمتلك الخطاب الديني مثل هذه المقومات فسيكون قادرا على التأثير والمنافسة ليس في المجتمعات الإسلامية فحسب بل حتى في المجتمعات والأمم الأخرى.
تجديد الخطاب الديني مهمة ومسؤولية مشتركة بين علماء الدين والمفكرين، انطلاقا من النظر إلى الإنسان باعتباره قيمة مركزية عليا، ومن أهمية تحكيم العقل في شؤون الحياة. تجديد الخطاب الديني يتطلب ردم الفجوة بين النخب الدينية والنخب الفكرية والثقافية عبر إقامة جسور مشتركة بينهما، من أجل التوصل إلى فهم مشترك، يؤسس لخطاب ديني جديد يحتضن الإنسان، كونه مخلوقا مكرما من لدن الخالق عز وجل، مصداقا للآية الكريمة (ولقد كرمنا بني آدم). هذا الخطاب الديني الجديد يجب أن ينطلق من فقه المقاصد الشرعية ويستجيب للاحتياجات المجتمعية، كما يجب أن يحظى بتوافق مجتمعي، ويكون من أهدافه: تغيير عقلية الانسان المسلم تجاه قبول الآخر المختلف معه في الدين والعقيدة، وان يحبب الشباب في الحياة وفي العمل وفي الإنتاج والتنمية والابتكار والإبداع والاكتشاف، ويحصنهم من أمراض التطرف والكراهية. 
ومن الضرورة الملحة ان يتطرق الخطاب الديني الى القضايا المعاصرة برؤية واضحة كقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان ومسألة التجديد والعولمة، وغير ذلك من القضايا التي تطرأ من حين الى آخر. كما يجب ان يركز الخطاب الديني على قيم الحرية والعدل والمساواة باعتبارها تمثل القيم الرئيسية في الدين الإسلامي الحنيف. إن تحسين صورة الانسان المسلم في الاعلام الغربي ضرورة دينية لن تأتي بسهولة، فلا بد من وضع استراتيجية اعلامية تستطيع إقامة حوار بناء يهدف الى التأثير الإيجابي على العقلية الغربية، وانه لا بد من الاقتراب بدل الاغتراب، والاتصال بدل الانفصال. بهذا وحده تضيق الفجوة وتتفتح العقول والقلوب لسماع ما عندنا، وتشارك حضارتنا الإسلامية من جديد في صنع التاريخ وترشيد مسيرته. 
وحتى نضمن النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة، ينبغي للخطاب الديني ان يبنى على فلسفة واضحة واستراتيجية محددة العوالم واهداف مدروسة بدقة يسعى لتحقيقها، وعدم الاكتفاء بتقديم خطاب بأي لغة كانت فنحن في عصر بات العلم سمة من سماته الأساسية، ومن ثم لا بد ان نقدم للأمتين العربية والإسلامية والعالم غير الإسلامي خطابا مرتكزا على العلم والمعرفة مع تجديد ما يقبل التجديد في الجانب المتغير في الشرع الإسلامي، والمحافظة على الثوابت التي تقبل التغيير والتبديل مهما تبدل الزمان والمكان.
الخطاب الديني أصبح مرآة لصورتنا أمام دول العالم الأخرى ومن خلاله تتشكل النظرة والانطباع عن الأمتين العربية والإسلامية. لذا فالمطلوب من الخطباء والدعاة ان يركزوا على إظهار البعد الإنساني والاخلاقي المشرق لهذا الدين العظيم في كل الأوقات، وليخاطبوا العالم والحضارات الأخرى باللغة التي يفهمونها والسلوك الحضاري الذي يعزز مكانة الاسلام والمسلمين ولا ينتقص من مكانتهما.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في