يبدو أن السيد اردوغان منغمس في سياسة التورط، فقد ضرب المثل الاعلى على سياسة الاندفاع غير المحسوب في سياسة بلاده الخارجية، ومع جيرانه بالدرجة الاولى، الامر الذي يثير الاستغراب، ووجه الاستغرب ان حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه اردوكان، بل من مؤسسيه ورواده الاوائل كان قد طرح شعار ( تصفير المشاكل في المنطقة ) حيث المفارقة الكبرى، ان الحزب بمجرد ان تولى قيادة تركيا تضاعفت المشاكل في المنطقة، ومن اسباب ذلك السياسة التركية ذاتها، فالحزب ذاته اختلف مع حكومة مرسي لان هذا الاخير رفض وحزبه الاخواني التقيد بفلسفة حزب العدالة والتنمية، فيما راح يطالب بعودة مرسي الى الحكم عندما انقلب عليه الجيش، والحزب ذاته بحكومته راح ينافس المملكة العربية السعودية على قيادة العالم الاسلامي وتضامن مع قطر عبر دعم الاخوان المسلمين، فيما كانت المملكة العربية السعودية توجه ضرباتها الحاسمة الى حزب الاخوان في المنطقة، وربما ساهمت في انقلاب السيسي على مرسي، وقد دخلت تركيا في عمق المستنقع العربي، تاييدا لهذه القوة او تلك، ورفضا لهذا الحزب أو ذاك، وساهمت مساهمة كبيرة في تسهيل الاف الدواعش الى العراق، ومطار انقرة يعج ويضج بالدواعش عيانا وبكل صراحة، وهناك معلومات مسربة تفيد ان هؤلاء او بعضهم يتم تدريبهم في دول نائية ثم يتم استجلابهم لممارسة الارهاب البغيض في العراق على وجه الخصوص.
ماذا اذا استعرضنا وضع تركيا الآن، خاصة بعد فشل العملية الانقلابية على اردوغان؟
تركيا اليوم في حرب ضروس مع الاكراد الاتراك، ومشكلة اكراد تركيا مزمنة جدا، وخطر أكراد تركيا ليس في عددهم وعدتهم،وانما في امكان استفادة ( الاعداء ) من هؤلاء الاكراد.
تركيا الوم في سوريا من جهة الشمال، تستقبل اللاجئين والهاربين من الحرب الاهلية، وتحتضن الكثير من اعداء نظام بشار الاسد، وتسعى الى تكريس مشروع المنطقة العازلة لتتحول الى بؤرة مسلحة مقلقة لنظام الاسد.
تركيا اليوم في علاقة متذبذبة مع روسيا، ويرى كثير من المراقبين ان هذه العلاقة ربما تتازم اكثر في المستقبل القريب، لان روسيا تصر على بقاء الاسد فيما تركيا ترى وجوب حذفه من اي عملية سلام في سوريا، حتى إذا بقي الحكم الحالي هو المتسيد، وحجة تركيا ان بقاء الاسد يسبب لها احراجا كبيرا في المستقبل، بما في ذلك احراج امني وسياسي.
تركيا اليوم تريد المساهمة في ( تحرير ) الموصل، ولها قواعد عسكرية او قوات مسلحة في ( بعشيقة )، وتلقت تهديدا من الفصائل العراقية المسلحة، مما ينذر بحرب عصابات بين القوات المسلحة التركية والفصائل العراقية المسلحة ايضا.
تركيا اليوم ذات علاقة غير مستقرة مع الولايات المتحدة الامريكية، خاصة فيما يتعلق بقضية تحرير الموصل، وبعض المواقف الاردوكانية من الجيش التركي، وقضية حقوق الانسان.
من الواضح ان اردوكان ربما يعيش حالة من الاختناق الداخلي والخارجي، وربما مثل هذا الاختناق يزيد من الاندفاع غير المدروس في مشاكل المنطقة...
والسؤال:
اليس بامكان تركيا ان تتحول الى عراب مصالحة في المنطقة الملتهبة؟
نعم..
حتى على صعيد مذهبي، اي بين سنة العالم الاسلامي وشيعته...
ما هو المانع من ذلك؟
لا اعرف.