رندة تقي الدين
بعد نحو سبع سنوات من الجهود الدبلوماسية المكثفة تجاه الجزائر، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اختيار المغرب شريكاً أول، مفضلاً العلاقات معه على العلاقات مع الجزائر. وتجلى الخيار الفرنسي في رسالة وجهها ماكرون إلى العاهل المغربي أكد فيها دعم فرنسا "الواضح والدائم" لخطة الإدارة الذاتية للصحراء الغربية التي اقترحها المغرب عام 2007. وبالنسبة إلى فرنسا "تمثل هذه الخطة منذ الآن الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يتم التفاوض عليه طبقاً لقرارات مجلس الأمن". كما أكد أن "من المهم الاستمرار في التطوير الاقتصادي والاجتماعي في هذه المنطقة، وفرنسا تحيي جهود المغرب في هذا الإطار وتواكبه في هذا النهج لمصلحة الشعوب المحلية"، مشجعاً "جميع الأطراف على الاجتماع من أجل حل بمتناول الأيدي".
وكان سحب الجزائر سفيرها من فرنسا متوقعاً رداً على الانعطافة الفرنسية، إذ أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بياناً يندد بالموقف الفرنسي الجديد قبل أن تعلنه باريس رسمياً، علماً أن فرنسا كانت قد أبلغت الجزائر نيتها تغيير موقفها إزاء مسألة الصحراء.
وكان ماكرون قد قرر منذ بداية عهده الرئاسي الأول فتح صفحة جديدة مع الجزائر، كما يفعل كل رئيس فرنسي يصل إلى الحكم، لكنه حاول في البداية العمل على تحسين العلاقة مع كل من الجزائر والمغرب في آن معاً، وهو ما فشل فيه لأن العلاقة مع المغرب تدهورت ولم يحصل من الجزائر على أي انفتاح رغم أنه في عهده الثاني قام بزيارة دولة للرئيس تبون، ثم أرسل رئيسة حكومته إليزابيت بورن مع وفد وزاري اقتصادي وسياسي كبير ولم يحصد شيئاً، لأن المؤسسة العسكرية الجزائرية لا تحبذ علاقة هادئة وطبيعية مع فرنسا وتستخدم تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر كشرعية لاستمراريتها، بحسب قول السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه دريانكور.
وحاول ماكرون خلال ست سنوات مدّ اليد إلى الجزائر، ودعا تبون إلى زيارة دولة تم تأجيلها من الجانب الجزائري مرات عدة، واستمرت باريس في القول إنها ستتم قريباً. بقي ماكرون والأمين العام للإليزيه أليكسي كوهلر على قناعة بأنه قد ينجح مع الجزائر حتى اقتنع بأن المؤسسة العسكرية الجزائرية ترى مصلحتها في أن تبقي التشكيك في النيات الفرنسية. ووجدت فرنسا نفسها وحيدة في موقف لا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء بعدما سبقتها إسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية إلى ذلك.
وفي وقت كان ماكرون يعمل على علاقة أفضل مع الجزائر، كانت العلاقة مع العاهل المغربي تتدهور بسبب اتهام فرنسا المغرب بالتجسس عبر "بيغاسوس" على هواتف مسؤولين فرنسيين، منهم ماكرون، وبسبب توقيف فرنسي مغربي على الحدود واتهامه بالتجسس للمغرب، ثم تراجع عدد التأشيرات الفرنسية إلى المغاربة.
وتأتي التطورات الأخيرة بعد سلسلة اتصالات وزيارات لمسؤولين فرنسيين للمغرب، فقد زارت وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا الرباط ثم وزير التجارة فرانك ريستير مع وفد مستثمرين مهتمين بالاستثمار في الصحراء الغربية ثم وزير الخارجية الحالي ستيفان سيجورنيه، وكان رئيس الحكومة الفرنسي المستقيل غبريال آتال سيزور المغرب في تموز (يوليو)، إضافة إلى أن الطبقة الفرنسية، من أقصى اليسار إلى اليمين، كانت تطالب بتحسين العلاقة مع المغرب. فزعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف جان لوك ميلانشون دعا خلال زيارة للمغرب في 2023 إلى اتباع نهج الولايات المتحدة وإسرائيل، ووزيرة الثقافة في الحكومة المستقيلة رشيدة داتي دافعت خلال زيارة للمغرب عن "مغربية الصحراء الغربية".
وقبل يومين في عيد العرش المغربي فتح ماكرون صفحة جديدة مع المغرب، في حين أنه لم يخسر الكثير من استياء الجزائر، إذ إن هذا البلد لم يقدم شيئاً لفرنسا سوى معاتبات مستمرة تتيح للسلطات الجزائرية أن تبقي على العداوة مع المستعمر الفرنسي لتكريس شرعية لنظام بقي في ذهنية الماضي.