هل كان الكاتب التشيكي المولد، الألماني اللغة والثقافة، فرانز كافكا يخشى الخلود حين أمر صديقه الأقرب إلى نفسه برود أن يحرق كلّ مؤلفاته؟
في البدء فكّر كافكا أن يرسل الطلب إلى صديقه عبر البريد، قبل أن يصرف النظر عن ذلك، وأودع رسالتين في كومةٍ من الأوراق في درج، كان يعلم أنّ صديقه سيفتحه بعد وفاته. واحدة من الرسالتين مكتوبة بالحبر، ومطويّة مع عنوان برود. الثانية كانت مفصلة أكثر وكتبها بالقلم الرصاص. فيما بعد ذكر الصديق أن كافكا قال له، وهو يظهر الورقة المكتوبة بالحبر التي وجدها فيما بعد في مكتبه: «وصيتي الشخصية في غاية البساطة: أرجوك أن تحرق كل شيء».
الروائي ميلان كونديرا، التشيكي المولد مثل كافكا، والذي غادر وطنه إلى فرنسا، لينال لاحقاً جنسيتها ويكتب رواياته بلغتها أيضاً، أبدى استغرابه من دهشة الكثيرين من وصية كافكا بحرق كتبه. لماذا لا تكون لدى المؤلف، أي مؤلف، أسباب كافية ليصحب نتاجه معه في رحلته الأخيرة؟ يسأل كونديرا في كتابه «الوصايا المغدورة»، وهو يناقش هذا الأمر. برأيه أنّ الكاتب قد يكتشف في لحظة الموازنة الختامية أنه يكره كتبه، وأنه لا يريد أن يخلف وراءه هذا الأثر المحزن عن إخفاقه، ولكن هذا لا ينفي السؤال: هل ما يكتبه كاتب كبير مثل كافكا هو ملك لنفسه، أم للثقافة التي يمثلها وينتمي إليها. سؤال شائك ومعقد بالتأكيد، ومن الصعب القطع بإجابة شافية عنه.
لنا أن نقول أيضاً إذا كان كافكا جاداً في رغبته بحرق كتبه، لماذا لم يفعل ذلك بنفسه قبل أن يموت، خاصة أنه سمع من برود ردّه على طلبه منه، حين قال: «أخبرك سلفاً بأني لن أفعل ذلك». سؤالنا اليوم، ماذا لو نفذ برود وصيّة صديقه وأحرق كتبه، هو الذي عزّ عليه أن يفعل ذلك، واختار أن يكون «خائناً» للوصية، هل كان كافكا سيعيش معنا كل هذا الزمن، وسيعيش في الأزمنة القادمة، برواياته ورسائله التي يعاد نشرها، ويتسع نطاق ترجمتها إلى مختلف لغات العالم؟
ها هي ألمانيا التي كان كافكا ناطقاً بلغتها، تحتفي بالذكرى المئوية لرحيله. علامة أخرى على خلود أدب وسيرة الرجل المثيرة للفضول والاهتمام في جوانب مختلفة منها. وبعض نصوص كافكا هي اليوم مقررات دراسية يتوجب على التلاميذ الألمان دراستها، كما يجدر بالأمم المتحضرة أن تفعل مع مبدعيها الكبار. واسم مثل كافكا ليس حكراً على جمهورية التشيك مسقط رأسه وموطنه، ولا على ألمانيا التي ينتمي إلى ثقافتها، فهو حاضر في جميع أنحاء العالم، بل من اسمه اشتقّ اسم مدرسة شهيرة في الأدب هي «الكافكاوية».