: آخر تحديث

في عامين... كيف تبدّل المشهد الأوكراني؟

9
9
8

قبل عام من الآن، كانت الآمال معقودة في أوكرانيا على أنّ الهجوم المضاد سيؤدي إلى طرد القوات الروسية من كامل الأراضي الأوكرانية. وكان النقاش دائراً إلى درجة السؤال: هل ستمضي القوات الأوكرانية في هجومها حتى تستعيد شبه جزيرة القرم أم تكتفي بالأراضي التي سيطرت عليها روسيا بعد 24 شباط (فبراير) 2022.

وفي حزيران (يونيو) من العام الماضي، انطلق الهجوم المضاد معززاً بدبابات غربية "ليوبارد 1" و"ليوبارد 2" الألمانية و"تشالينجر" البريطانية وعربات "برادلي" القتالية الأميركية وناقلات جند فرنسية متطورة. وانتهى الهجوم في الخريف بنتائج متواضعة وخسائر فادحة، بعدما أخفق في اختراق الدفاعات الحصينة التي بناها الجيش الروسي على طول الجبهة الممتدة على أكثر من 1000 كيلومتر.

في الذكرى الثانية للحرب، يفتش الأوكرانيون ومعهم شركاؤهم الغربيون عن الأسباب التي آلت إلى فشل الهجوم المضاد. هناك من يقول إنّ تأخير الهجوم من الربيع إلى الصيف بسبب التردّد الغربي في تزويد كييف بالمدرعات المتطورة، قد أتاح المجال لروسيا لبناء دفاعات قوية. وهناك من يقول إنّ النقص في المقاتلات الغربية الحديثة، لا سيما "إف-16" الأميركية الصنع، كان السبب في عدم توفير الغطاء الجوي للقوات الأوكرانية المتقدّمة، ما جعلها عرضة للنيران الروسية.

ومهما تكن الأسباب التي أدّت إلى فشل الهجوم، فإنّ النتائج التي ترتبت على ذلك، كانت هائلة، إذ أنّها أحدثت صدمةً في الغرب، وجعلت الرهانات على تحقيق اختراق ميداني واسع تتراجع بوتيرة متسارعة. هناك الآن عشرة في المئة فقط من الأوروبيين يعتقدون أنّ في امكان أوكرانيا طرد القوات الروسية بواسطة القوة.

وكان لفشل الهجوم المضاد انعكاسات داخلية، تفجّرت خلافاً علنياً بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي ورئيس أركانه السابق الجنرال فاليري زالوجني انتهت بإقالة الأخير، لأنّه قال إنّ الحرب وصلت إلى "طريق مسدود". ولم يكن رأي خليفة زالوجني الجنرال أولكسندر سيرسكي مغايراً كثيراً لرأي سلفه.

هناك واقع ميداني في أوكرانيا دقيق جداً، بسبب جمود المساعدات الأميركية بفعل المناحرات السياسية الداخلية بين الجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس. ومن الجلي جداً التأثير القوي الذي يتركه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على قرار النواب الجمهوريين الذين يرفضون تمرير مساعدة بـ61 مليار دولار لأوكرانيا، قبل أن يحصلوا على تمويل كبير لإقفال الحدود أمام المهاجرين القادمين من المكسيك.

إنّ تراجع الزخم في المساعدة العسكرية الأميركية، يملي على القيادة السياسية في كييف التفكير في خيارات صعبة من الآن فصاعداً. وعلى رغم أنّ الاتحاد الأوروبي قد أقرّ مساعدة مالية بـ54 مليار دولار لتمويل أوكرانيا في السنوات المقبلة، لكن المسألة الملحّة التي تواجهها أوكرانيا اليوم هي النقص الفادح في الذخائر. وأميركا وحدها هي التي تستطيع أن تحدث فارقاً في هذا المجال. وكل الجهود الأوروبية بقيت عاجزة عن توفير مليون قذيفة مدفعية لأوكرانيا.

تكفي مقارنة بسيطة بين أجواء العام الماضي وأجواء هذا العام، حتى تتضح الصورة. وفي حال مضت روسيا في هجومها على الجبهات الشرقية والجنوبية وتمكنت من تحقيق اختراقات واسعة، فإنّ ذلك سيزيد من حراجة الموقف الأوكراني والغربي.

ربما كان على زيلنسكي الإصغاء إلى زالوجني، واستخلاص الدروس من فشل الهجوم المضاد والانتقال فعلياً إلى البحث عن تسوية سياسية، كانت ولا شك ستكون مؤلمة بالنسبة للأوكرانيين، لكنها من الممكن أن تكون أقل إيلاماً من استمرار الحرب والخسائر التي يتكبّدونها يومياً على الصعيدين البشري والاقتصادي. وعندما حقّقت القوات الأوكرانية مكاسب سريعة وواسعة في خريف 2022، كان من الممكن وقتها الدخول في حوار من موقع القوي، لكن تعليل الآمال بالهجوم المضاد، ثبت أنّه كان تفكيراً غير واقعي إلى حدّ بعيد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.