يحلو لمراقب بارز أن يقيّم حصيلة زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بأنه ضَمن أسساً لعودته في زيارته الرابعة المرتقبة قريباً والتي يتأرجح توقيتها «قريباً» كما قال للبعض، وقد تكون إما نهاية الشهر الجاري، كما أسرّ للبعض الآخر وحكماً خلال شهر تشرين الأول المقبل، كما فهم منه آخرون.
بين هذا الحدث وذاك قد يتولى التحرك القطري الذي يحظى بتفاهم الدوحة الضمني مع الرياض، المساهمة في تظهير بعض الإيجابيات واستكشاف إمكانية البناء على ما حققته الجولة الثالثة من اللقاءات التي أجراها لودريان.
لم يعد باستطاعة لودريان ولا الرئيس إيمانويل ماكرون التراجع عن الاهتمام بلبنان، على ما قال النائب غسان سكاف، لأنّ «صدقية فرنسا التي تلقت الهزيمة تلو الأخرى مؤخراً (لا سيما في أفريقيا)، ودورها في الشرق الأوسط مرتبطة بصدقيتها ودورها في لبنان، بوابتها التاريخية إلى الشرق الأوسط».
الانتقال إلى مرتبة جديدة من التقدّم بالتناغم مع أي مناخ إقليمي مساعد يفترض تطوير ما يصفه أحد الذين شاركوا في اللقاءات مع لودريان «قراره بالتخلي عن توجهات سابقة الذي كان أكثر وضوحاً من قراره بخطوات جديدة»، سيعمل على صوغها في جولته الرابعة.
فهو تخلى أولاً، حسب السياسي نفسه الذي اجتمع معه، عن اعتبار مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية مرجحاً ليصبح رئيساً، وهذا ينطبق على مرشح الفريق المقابل جهاد أزعور.
وهو أبلغ، ثانياً، المعترضين على فكرة الحوار، أنه سيستعيض عن الدعوة لالتئام طاولة يتحلق حولها سائر الفرقاء من أجل التفاهم على آلية إنهاء الفراغ الرئاسي، بتوجه آخر هو عقد لقاءات ثنائية بينه وبين كل من الفرقاء، تحت عنوان عرض ما توصل إليه من خلاصات من الأجوبة الخطية التي حصل عليها من الفرقاء رداً على سؤالين حول مواصفات الرئيس المقبل والأولويات التي تنتظره في مهماته المقبلة، على أن يعقبها بيوم أو يومين عقد جلسة انتخاب الرئيس وبدورات مفتوحة ومتتالية.
هذا رغم أنّ الاتصالات بين لودريان وبعض القيادات ما زالت تبحث عن «وصفة مناسبة» لإقامة هذا الحوار، تقنع المعترضين عليه بالقبول به من زاوية توضيح ما أعلنه رئيس البرلمان نبيه بري لجهة أسماء المدعوين، ومن يترأس الجلسات، وضمان الدورات المتتالية لانتخاب الرئيس بالتأكد من عدم إسقاط فريق الممانعة نصاب الدورة الثانية من الاقتراع... أي أنّ الأمر ما زال معلقاً بين فكرة لودريان بالذهاب إلى التشاور، وبين اقتراح بري بالحوار.
يرتكز لودريان إلى المراهنة على أن تخدمه الظروف الإقليمية المتحركة، لعلها تصب في إطار لقاء الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني في الفترة الفاصلة بين الجولة الثالثة والجولة الرابعة المقبلة من مهمته، لعل التحرك القطري المفتوح بقوة على تلك التطورات يسعفه.
يخلص الذين يتعاطون بحذر مع ما أنجزه الموفد الفرنسي إلى القول إنّه لا يرقى إلى مستوى النتائج العملية بل إلى مرتبة «الانطباعات»:
- وفق بعض المعارضين، لدى لودريان انطباع بأن رئيس البرلمان فتح كوة في الجدار لمجرد استعداده لعقد جلسات متتالية، يمكن البناء عليها، وهو يطلب مساعدته على الإفادة من تلك الكوة لعلها تؤدي إلى تسوية حول الرئاسة.
- لديه انطباع باستعداد بري لضمان نصاب الجلسة النيابية المقبلة، وطلب من الفرقاء المشككين بإبداء الليونة حتى إذا توسعت إيجابية بري وشملت «حزب الله» مثلاً أن يتم التجاوب مع اقتراحاته بالقيام بالمشاورات التي يمكن أن يجريها عند عودته...
لم يأتِ لودريان مع أي من الذين التقاهم على ذكر ما إذا كانت حصيلة لقائه مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» النائب محمد رعد انتهت إلى استعداده لتسوية على قاعدة عدم تمكن أي من فرنجية وأزعور من الحصول على الأصوات المطلوبة وبالتالي البحث عن مرشح ثالث أو أكثر. وإذا كان نواب من كتلة الرئيس بري تحدثوا عن إمكان التفاهم على مرشح ثالث، فإن «الحزب» قال كلمته على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الذي أوضح أنّ «الأمور لم تنضج بعد والوقت لن يأتي بالمعجزات».
لذلك أكد رعد لفرنجية تمسكه بدعم ترشيحه، ما يعني قطع الطريق على احتمال تسوية حول الرئاسة، وسط حديث بعض نواب كتلة بري عن تباينات مع «حزب الله». فهل ذلك من باب كسب الوقت، إلى أن تنجلي نتائج الحوار البطيء بينه بين «التيار الوطني الحر»، أو وسيلة لانتظار اتضاح النوايا الإيرانية في شأن التسويات الإقليمية التي لا بد من أن تنعكس على لبنان؟