سالاكوفاتش (البوسنة والهرسك): لم يكن قد مضى وقت طويل على اقترانه بزوجته البوسنية حين غادر سمير البراوي ساراييفو في 1991 عندما كانت المنطقة تشهد معارك طاحنة قبل محاصرة العاصمة البوسنية، وعاد إلى دياره في قطاع غزة. وبعد 33 عاما ها هو يغادر مجددا عائدا الى البوسنة.
وصرح الفلسطيني البالغ من العمر 59 عاما لفرانس برس بعد أيام من وصوله إلى مركز للاجئين في سالاكوفاتش، جنوب ساراييفو، "تركت كل شيء لكنني ما زلت على قيد الحياة". فر مع اسرته تاركا أملاكه التي تمتد على مساحة 16 الف متر مربعة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
في 1991 كان يدرس في ساراييفو مثل العديد من الفلسطينيين الذين استقبلتهم يوغوسلافيا حين كانت البوسنة جزءًا منها. وحثهم والد زوجته سوتكا على الفرار قائلا "ستندلع الحرب هنا". وغادرا مع ابنتهما دليلة.
يقول سمير الذي يضع وشاحا أبيض أنيقا إنه كان على مدى سنوات يزرع الفراولة في بيوت بلاستيكية على بعد "500 متر من الحدود الإسرائيلية". كانت اعماله تسير بشكل جيد وكان يصدر آلاف الأطنان من الفاكهة كل عام خاصة إلى أوروبا.
في اليوم الخامس من الحرب التي اندلعت بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس في إسرائيل في 7 تشرين الأول/اكتوبر تم القاء منشورات فوق بيت لاهيا.
ويقول "طُلب منا التوجه جنوبًا عبر طريق صلاح الدين" الذي يعبر قطاع غزة.
"لم تعد هناك حياة"
أمضوا أكثر من أربعين يوما في إحدى مدارس الأمم المتحدة قبل أن يتمكنوا على غرار كثيرين يحملون جنسية مزدوجة وبعض الجرحى، من مغادرة القطاع عبر معبر رفح إلى مصر.
وخطف حوالى 240 شخصا في إسرائيل خلال هجوم حماس الذي أدى إلى مقتل 1200 شخص غالبيتهم من المدنيين وفقا للسلطات الإسرائيلية. ومذاك توعدت إسرائيل بـ "القضاء" على الحركة الإسلامية وشنت حملة قصفت مدمرة على قطاع غزة.
دخلت هدنة إنسانية من أربعة أيام في غزة حيز التنفيذ الجمعة، بعد 48 يوما من القصف الإسرائيلي الذي خلف أكثر من 14800 قتيل بينهم 6150 طفلا، بحسب حكومة حماس.
وقال سمير إن منزلهم استُهدف "في اليوم السادس من الحرب. وكأنه كان زلزالا". وغادر سمير وسوتكا مجددا هذه المرة مع ابنتيهما وإحدى زوجات أبنائهما والأحفاد: 15 شخصا في المجموع.
يضيف سمير "رأينا جثثا على طول الطريق وقتلى في السيارات. وكانت الكلاب تحوم حول الجثث. رائحة الموت كانت تفوح في كل مكان".
ويتابع "قررنا عدم العودة إلى هناك بتاتا. ما تبقى من عمري أريد أن أعيشه بسلام. لم تعد هناك حياة" في ذلك المكان.
"هذا ليس عدلا"
وكان الطبيب أحمد شاهين الذي تم إجلاؤه أيضا في 16 تشرين الثاني/نوفمبر مع عشرات الأشخاص من البوسنيين وعائلاتهم فكر في الشيء نفسه للوهلة الاولى: ألا يعود اطلاقا إلى منزله في جباليا شمال قطاع غزة.
واليوم يقول طبيب الأطفال البالغ من العمر 55 عاما والذي درس الطب في البوسنة في التسعينات "سأعود بمجرد انتهاء الحرب".
فهو لدى اندلاع الحرب تطوع للعمل في المستشفى الإندونيسي شمال مدينة غزة. وسرعان ما أصبحت الظروف في غاية الصعوبة "فلا أدوية والعمليات الجراحية تجرى بدون تخدير وبتر أطراف. ولا ماء للغسل والتعقيم...".
ويروي كيف شارك في توليد امرأة مصابة "في شهرها التاسع من الحمل". ويضيف "أجرينا لها عملية قيصرية لإنقاذ الجنين. لكنها توفيت متأثرة بإصابة في الرأس".
ومع استمرار الحرب "ازدادت وتيرة نقل الجثث والجرحى" ولم يعد قادرا على الصمود.
غادر مع زوجته وبناته الثلاث وابنه البالغ من العمر 17 عاما الذي يعاني من "شلل تام" منزلهم "قبل نحو عشرة أيام". ابنهم الأكبر علي قُتل بصاروخ في تموز/يوليو 2014 خلال حرب سابقة بين حماس وإسرائيل.
ويقول "لو كان على قيد الحياة لبلغ اليوم 23 عاما".
ويقول شاهين محاولا ان يحبس دموعه ان ما يحدث في غزة "وصمة عار للعالم".
ويضيف "العالم يشاهد تدمير المباني المكتظة بالأطفال والنساء على الهواء مباشرة، ويشاهد الدماء تسيل دون ان يحرك ساكنا. هذا ليس عدلا".