دائما ما شكلت القضية الفلسطينية منطقة التفاف جديد لبناء المواقف العربية السياسية تجاه ما يحدث لها، وهذا أمر طبيعي فهناك عشرات الأحداث التي وقعت بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر التاريخ وخلّفت لنا الكثير من الألم السياسي كعرب والندم الشعبي بين جماهير المنطقة العربية، موقف بعض الدول العربية السياسي كان عقلانياً أمام دولة احتلت الأرض من خلال دعم دولي كبير، ومع ذلك تحملت الدول العربية المتزنة والعاقلة الألم من احتلال فلسطين، وقدمت مشروعات للسلام الواحد تلو الآخر، فالقيادات العربية ذات الوعي السياسي العميق تدرك مفهوم الاحتلال، وتدرك ماذا يعنيه الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل.
مع كل أزمة تحدث على هذه الأرض الفلسطينية تعكس الشعوب العربية حجم الندم المتراكم في الذاكرة العربية، الذي يتكاثر ككرة ثلج، ولكنه يتراكم في اتجاه وطرق غير صحيحة، وخاصة أن التجربة التي تعلمنا منها كيف تتعامل الشعوب العربية مع أزمات فلسطين أن هناك من يروج للهجوم على بعض الدول العربية، ويرى أنها متخاذلة أو لا تقدم الكثير من أجل القضية، وهذا في الواقع مخالف للحقيقة، ولكن السؤال.. لماذا تهاجم الشعوب العربية بعضها مع كل جرح يفتح في القضية الفلسطينية؟
في الحقيقة أن ما يحدث هو قضية وعي استخدمت فكرة الندم المتكرر منذ أن احتلت إسرائيل الأرض، لقد تحول الوعي العربي إلى تبنى التذمر المزمن الذي انعكس على بعضه البعض.
مع كل أزمة في فلسطين يتحول الهجوم والانتقاد الشعبي من أبعاد القضية وأطرافها إلى داخل الجسد العربي، وتبدأ عملية سياسية تشعر من خلالها أن الانتقاد المتبادل هو عملية تفريغ سياسي لمعالجة مشكلات داخلية لتلك الشعوب، وبين عشية وضحاها يتحول الشعب العربي إلى تكرار الشكوى بنفس الطريقة، وذات الأدوات قبل عقود مضت، على سبيل المثال لنتذكر أزمة العام 2006م والصراع الإسرائيلي مع حزب الله.
لقد كان الواقع الإعلامي ضيقا في ذلك الوقت، ولم يكن بهذا التوسع الذي تلعب فيه وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا، ومع ذلك فإن نفس السيناريو يتكرر مع أحداث غزة اليوم، لتبدأ الشعوب العربية مع كل أسف بالهجوم على بعضها بينما الاحتلال يمارس كل أفعاله، وبينما تركز التظاهرات في العالم على الطفل الفلسطيني وقتل المدنيين والحالة الإنسانية في قطاع غزة وهدم المستشفيات فوق رؤوس المرضى وقتل الأبرياء، فإن ما نجده في بعض محيطنا العربي هو هجوم شعبي على بعض الدول العربية، ودائما ما تكون الفروقات التنموية والاقتصادية بين الدول هي سبب هذا الهجوم، فينسى الجميع القضية وتصبح صراعا إعلاميا متبادلا بين الشعوب العربية نفسها مساحتها وسائل التواصل الاجتماعي.
القضية الفلسطينية قضية نادرة من نوعها في العالم، كونها تخضع لمعايير استراتيجية تتبناها دول كبرى لديها أهداف يستحيل التعامل معها من خلال المواجهة والصراع المباشر، نعم ما تفعله إسرائيل هو احتلال، نعم ما تفعله إسرائيل هو قتل للأبرياء، نعم إسرائيل تتوسع على حساب أرض عربية، كل هذه حقائق الجميع يدركها، ولكن ما لا تدركه الشعوب العربية هو أن أفكارنا حول القضية الفلسطينية هي ما يعبر عن واقعنا المؤلم، فالشعوب العربية مع كل أسف تفقد بوصلة الاتجاه عندما تناقش القضية الفلسطينية.
سؤالي الأهم في هذا المقال: لماذا يتم الهجوم على دول مثل السعودية بينما هي الدولة الوحيدة التي تشكل محور القوة في الدفاع عن القضية الفلسطينية عبر التاريخ سياسيا واقتصاديا وتنمويا، السعودية هي الدولة الوحيدة التي يلجأ إليها العرب والعالم الإسلامي والدول الكبرى من أجل القضية، وهي الدولة الوحيدة عربيا التي تضع القضية الفلسطينية في أولويات استراتيجياتها السياسية، وهي الدولة التي لم تستخدم القضية الفلسطينة كجسر عبور للحصول على مكاسب سياسية، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تفرض أفكارها على أصحاب القضية الفلسطينية وقادتها.
في الحقيقة أن انحراف الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية يمارس مغامرة وراء أبواب مغلقة تدفعه لتجاوز القضية الفلسطينية إلى محطات تنافسية، ما يجب أن يفهمه العالم العربي عن السعودية أن نجاحها سياسيا واقتصاديا وتنمويا لم يكن صدفة، كما أن فشل الآخرين في فهم السعودية ليس صدفة، الوعي العربي حول القضية الفلسطينية أصبح أمرا مقلقا فما زال الوعي العربي يعاني من ندم متراكم أصبح بحجم الكرة الأرضية، وأصبح الوعي العربي غير قادر على حمله، ولذلك هو يرمي به يميناً ويساراً، ما يحتاجه الوعي العربي هو توحيد الهدف، فعندما تهجم إسرائيل على أرض فلسطينية فالموضوع هنا هو ذلك الهجوم وليس تصفية الحسابات وتصدير المشكلات الداخلية وتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية.