إيلاف من لندن: في يوليو 2007، دخلت رسامة شابة تبلغ من العمر 27 عاماً إلى منزل فخم في حي بلغرافيا اللندني. كانت "بوهيمية يسارية من بلدة شمالية"، كما تصف نفسها، ومهمتها شبه مستحيلة: رسم بورتريه لأقوى وأكثر نساء بريطانيا إثارة للجدل، مارغريت تاتشر.
وفي حديثها لمجلة "تاتلر"، تتذكر الرسامة لورنا ماي وادزورث ذلك اللقاء الأول: كانت البارونة تاتشر في الثانية والثمانين من عمرها، "رؤية مصقولة بالورنيش في كتان أزرق نشوي ولآلآئ". وتضيف: "أتذكر أنني اضطررت لمقاومة الرغبة في الانحناء، رغم أنني لا أعرف كيف أنحني". كانت مرعوبة، لكنها امتلكت دائماً "نوعاً من الثقة الجامحة"، لذا مدت يدها وصافحت المرأة التي غيرت وجه بريطانيا.
الظاهرة ذات الأكتاف المبطنة التي قادت الأمة خلال نهاية الحرب الباردة، كانت امرأة متغيرة. لم تكن وادزورث مهيأة لما ستكتشفه. فخلف الواجهة الحديدية، وجدت إنسانة تتصارع مع الزمن.
في يومياتها، تسجل وادزورث هذا المشهد: "أشارت البارونة تاتشر إلى كتاب على غلافه صورة لها مع رونالد ريغان. 'آآآه، روني!'، قالت بنبرة عميقة، وتتبعت الصورة بإصبعها. ثم انتقلت أصابعها إلى الكلمات المكتوبة في المنتصف. قرأت بصوت عالٍ، كطفلة في الفصل: 'الـ-رئـ-يس... الـ-بابا... رئـ-يسة - الـ-وزراء'. تحدثت بالمقاطع بتردد، ولكن بقناعة مطلقة. ثم شرحت: 'كما ترى، كنت في السياسة، و... آه... هو كان في السياسة... ولذا كان لدينا... آه... بعض من نفس... نفس... الآراء'".
لوحتان.. وقصتان
كانت نتيجة هذه الجلسات لوحة "البارونة تاتشر"، بورتريه ضخم يصورها من الأسفل "كمقدمة سفينة حربية"، ليعكس انطباع الرسامة عنها قبل لقائها، تلك الصورة التي تشكلت من التلفاز الصغير في زاوية غرفة طفولتها الشمالية، حيث كانت دمية تاتشر في برنامج "Spitting Image" الساخر "شريراً لا يكل في مسرحيات البانتومايم". لكن في جلستهما الأخيرة، نظرت مارغريت تاتشر إلى اللوحة، واعتبرتها "شرسة جداً"، مجروحة في غرورها الأنثوي.
وهنا بدأت القصة الحقيقية. تقول وادزورث: "لقد رسمت دراسة جديدة، حرة وعفوية، للمرأة التي تعرفت عليها. لقد رأيت الإنسان في الداخل، قسوة مرور الزمن، وما تفعله الحياة بنا جميعاً".
كانت نتيجة هذه النظرة الثانية لوحة ملحمية أخرى، "In Memoriam"، أنجزتها بعد وفاة تاتشر مباشرة، بناءً على الدراسة التي رسمتها في جلستهما الأخيرة. كانت وادزورث آخر فنانة جلست لها تاتشر.
"السيدة الحديدية": لوحات الإرث
وفي الذكرى المئوية لميلادها، كشفت وادزورث عن تتويج هذه العلاقة المعقدة في معرض حمل عنوان "السيدة الحديدية: لوحات الإرث"، في لندن.
المعرض يقدم سبع لوحات جديدة بارتفاع أربعة أقدام لكل منها، تعيد فحص إرث تاتشر ومكانتها في التاريخ وردود الفعل التي لا تزال تثيرها.

الفنانة لورنا ماي وادزورث تقدم شهادتها البصرية عن "المرأة الحديدية" في معرضها "لوحات الإرث" بلندن.. الصورة عن حساب الفنانة على انستغرام
وتوضح الفنانة الفلسفة وراء هذه السلسلة قائلة: "استغرق صنع هذه اللوحات الجديدة عشر سنوات، وكانت طريقة لمعالجة تجربتي الشخصية مع ردود فعل الناس الغامرة على لوحتي الأولى، والتي كانت غالباً لاذعة ولكن في كثير من الأحيان مليئة بالثناء أيضاً". وتضيف أنها اعتمدت "التكرار على طريقة وارهول" كنهج شامل بزاوية 360 درجة، سعياً منها "لاستحضار 'تاتشرات' متعددة". وتختم بالقول: "في هذه اللوحات، آمل أن يكون هناك تصوير يتردد صداه لدى الجميع".

وجوه "المرأة الحديدية" التي لم تُرَ من قبل.. من معرض لورنا ماي وادزورث "لوحات الإرث" في لندن. الصورة عن حساب الفنانة على انستغرام
هذه اللوحات، التي وصفتها الفنانة بأنها "تأمل في الفناء والذاكرة والطبيعة الزائلة للأيقونات"، تُعرض حالياً في مزاد عبر الإنترنت يقبل المزايدات من جميع أنحاء العالم حتى ظهر يوم الأحد 19 تشرين الأول (أكتوبر).
وتقول وادزورث عن هذه السلسلة:
"يقولون إنك قد تنسى ما قاله شخص ما، لكنك لن تنسى أبداً كيف جعلك تشعر. في هذه السلسلة، آمل أن يتعرف المشاهدون على أنفسهم في المشاعر التي تثيرها اللوحات - والأهم من ذلك، أن يشعروا بالتعاطف مع جميع الوجوه المختلفة للمرأة التي حظيتُ بشرف معرفتها".