نستطيع البدء من 2024، عام الظهور البارز لنبوءة وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي الذي توقع في العاشر من حزيران (يونيو) 2022 "ارتفاع حجم الاستيراد للمشتقات النفطية إلى مستويات عالية خلال السنوات الأربع المقبلة". اللطيف أنَّ الجلبي ذكر أيضاً وقتها "حجم الأموال التي صُرفت على استيراد المشتقات النفطية بعد عام 2003 كافية لبناء أكثر من 20 مصفاة بأحدث التكنولوجيا العالمية في المجال النفط والغاز".
كانت هناك تصريحات من ماركة "القنفذ" - توقعات متفائلة وحلول آنية سريعة لا تستطيع رمي أشواكِها إلى المستقبل - في حزيران (يونيو) 2022 تخصُّ مصفى كربلاء، والذي كان متوقعاً الانتهاء منه في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، ليغطي "تسعين بالمئة من احتياجات البلاد للمشتقات النفطية". ما حصل في 2024 كان شيئاً آخر، عاد النفط الخام الذي تنتجه البلاد، الغاز الإيراني، وتغيير أسعار المشتقات النفطية أبرزها البنزين للنوم الثلاثي على سرير "الاتفاق السياسي" بين بغداد وطهران، بحسب تعبيرٍ وَرَدَ في موقع "تقرير النفط العراقي" نُسِبَ لمسؤول عراقي وصف علاقة الطاقة بين البلدين.
"رويترز" نشرت في 27 آذار (مارس) 2024 خبر توقيع العراق "صفقة غاز جديدة مع إيران مدتها خمس سنوات لتجهيزه بخمسين مليون متر مكعب من الغاز يومياً". بينما كانت وزارة خارجية تركمانستان قد نشرت في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وبملخصٍ مفيد، "توصل العراق وتركمانستان إلى اتفاقٍ مدته خمس سنوات لبيع الغاز إلى الأول وبكمية 9 مليارات متر مكعب سنوياً ينقل إلى العراق عبر إيران". وفيما إن كان ضخ الغاز سيبدأ في الأول من أيار (مايو) 2024، وإن كان العقد حصرياً بين البلدين، لم تُجبني وزارة النفط التركمانية ولحين نشر هذه السطور، علماً بأني أرسلت هذه الأسئلة وغيرها في 28 آذار (مارس) 2024.
كُنت قد حذَّرت في مقالٍ سابق "ما وراء قرع أنخاب مقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني؟" في 16 تموز (يوليو) 2023، من فكرة مقايضة النفط الخام العراقي بالغاز الإيراني. مفاد التحذير "إيران ستمتلك لوبي نفطي ومالي يسيطر على سياسات الطاقة في البلاد". موقع تقرير النفط العراقي نشر في 22 آذار (مارس) 2024 موضوعاً سرَّب الكثير من معلوماته بحسب الموقع "مسؤولون عراقيون كِبار ذوي صلة باتفاق مقايضة النفط العراقي الخام بالغاز الإيراني". جاء فيه إنَّ هذه الاتفاقية ستستمر لحين "تسديد كامل الدين العراقي الذي بذمته لإيران من استيراد الغاز والذي يبلغ 11 مليار دولار أميركي". وزير الكهرباء العراقي كان قد أعلن في حزيران (يونيو) 2023 أنَّ "الحكومة العراقية قد دفعت كل المستحقات"!
قبل الإعلان بيومٍ واحد عن تجديد صفقة استيراد الغاز الإيراني، تحديداً، في 26 آذار (مارس) 2024، أعلنت الحكومة العراقية عن رفع أسعار البنزين المحسن والسوبر بواقع "25 و30 بالمئة". قبل خمسة أيام أيضاً من إعلانها رفع أسعار البيع، أعلنت وزارة النفط العراقية اشتراطها على المواطن أن يدفع ثمن هذه النوعيتين "إلكترونياً". ليعود الناطق باسم الحكومة العراقية في 28 آذار (مارس) 2024 للإعلان عن "إمكانية إعادة النظر بأسعار البنزين وتخفيضه منتصف العام المقبل".
اللطيف أنَّ الجهات الرسمية، شبه الرسمية، ومواقع مختصة بالطاقة قدَّمت عدَّة معلومات متضاربة عمّا سيقايضه العراق مع إيران، بعضها بيَّن بأنها "زيت الوقود عالي الكبريت والنافثا". البعض الآخر ذهب إلى ذكر "النفط الخام بواقع 100 ألف برميل والنفط الأسود". الأكثر طرافة أنَّ الشركات العراقية التي ستنقل وتبيع هذه المروحة الواسعة ستقوم بتحميلها مباشرةً من "المصافي العراقية"، بعد إبرازها لورقة "التفويض المختومة من السفارة الإيرانية في بغداد" بحسب موقع تقرير نفط العراق.
طهران كما يبدو تحاول الاستثمار بقوَّة في سوق دعم الحكومة العراقي لقطاع الطاقة في البلاد والمُقدَّر بـ"20 مليار دولار أميركي"، بحسب حديثي مع وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب. هي تستغل أيضاً فجوة تشريعات العقوبات الأميركية على شراء النفط الخام الإيراني، بتحويله إلى مشتقات نفطية (لا توجد عقوبات محدَّدَة)، خاصَّةً البنزين والديزل والنفط الأبيض، من المؤكد أن العراق سيكون سوقاً لتصريفها.. بنفطه الخاص.
نظام بلوتو جعل النفط العراقي "زيتونة" في جيب المواطن و سبانخ "باباي" في جيب طهران
إذا أردنا اعتماد أرقام العراق الرسمية بأنه يستورد ستين بالمئة من احتياجات الغاز لتشغيل محطات توليد الكهرباء، واعتمدنا على ما ذكره ضيوف إحدى القنوات المحلية في آذار (مارس) 2024 بأن العراق يستورد "ثلث السبعة وخمسين مليون لتر من البنزين التي يستهلكها يومياً"، لوجدنا إنَّ أرباح إيران من الاستثمار في سوق الدعم الحكومي للطاقة العراقية ستتراوح ما بين 40 – 50 بالمئة تقريباً. وزارة النفط العراقية ولحين نشر هذه السطور لم تُجبني عن التكلفة السنوية لشراء المشتقات النفطية من إيران (البنزين، الديزل، والنفط الأبيض) وكم توفر المصافي العراقية من حاجة البلاد السنوية لهذه المشتقات، علماً بأني أرسلت لها هذه الأسئلة في نفس تاريخ مراسلتي لنظيرتها التركمانية.
زيارة رئيس الحكومة العراقية المزمعة إلى واشنطن، في 15 نيسان (أبريل) الجاري ستكون فرصة طيبة لبغداد لاطلاع الرئيس الأميركي جو بايدن على سياسة البلاد في رفع الدعم عن الوقود. هذه السياسة التي ثُبت أنها منذ "عام 1980 سببت ارتفاع نسبة الفقر من بين أمورٍ عديدة"، بحسب تقرير حديث لمؤسسة "أوكفام"، كان سياقهُ الأساس انتقاد اشتراطات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في فرض تعديلات هيكلية على السياسة الاقتصادية لدول العالم الثالث، خاصَّة فيما يتعلق برفع الدعم عن الوقود.
المفارقة الكبرى أنَّ إقليم كردستان العراق، يحاول أن يستفيد من إيثار العراق لطهران، بتجييش لوبياته في واشنطن التي تسبحُ سياسياً مع الحزب الجمهوري الأميركي على توجيه الرئيس بايدن بإصدار أوامره لبغداد بـ"السماح للإقليم ببيع النفط - ضاعت هويته الوطنية أيضاً - فوراً وضمان الاستثمارات الأميركية في نفط الإقليم قبل السماح لرئيس الحكومة العراقية بزيارة واشنطن"، وذلك بحسب رسالة وجهها أعضاء جمهوريين في الكونغرس يوم 28 آذار (مارس) الماضي. كان إعلام الإقليم نزيهاً من أيَّة إشارة إلى القُبلات النفطية الساخنة بين بغداد وطهران.
رابطة صناعة النفط في كردستان ومن أجل ضمان صوتها الأميركي العالي الذي ينطلق من الحبال الصوتية لحكومة الإقليم، عيَّنت الكولونيل مايلز بي. كاغنز الثالث، كولونيل أميركي متقاعد مختص بـ"حرب المعلومات العامة" في آب (أغسطس) 2023. هذا "المحارب الثقافي" الخارق بحسب تعبير عالم المستقبليات الأميركي آلفن توفلر، أقنع رابطة العسكريين القدامى في استثمار أموالها في شركته "محاربو الكلمات"، الساعية بشكلٍ محموم إلى انفصال نفط الإقليم عن نفط البلاد ما دام الفصل الجغرافي متعذِّراً. الأهم من كل ما تقدَّم بأن المواطن العراقي عليه أن يقتنع بسياسة الوقود الجديدة "الدفعُ إلكتروني والقبضُ إيراني والفرج قنفذ غارق في دجلة".