: آخر تحديث

التأهيل الوطني من رياض الأطفال حتى البرلمان

51
55
46
مواضيع ذات صلة

باستثناء مراكز المدن المهمة التي تتركز فيها الأنشطة الثقافية والسياسية والجامعية فان غالبية ما حولها من بلدات وقرى وتجمعات بشرية تعاني من إشكاليات معقدة في الوعي الوطني والثقافة العامة ناهيك عن ارتفاع نسبة الامية الابجدية والحضارية رغم التقدم الهائل في وسائل التواصل والإنترنت والتعليم، حيث ما يزال الإرث الاجتماعي الثقيل متكلساً في السلوك والعادات والتقاليد المرتبط منها بالأديان أو الأعراف بعيداً بشكل كلي عن الحياة المعاصرة والحداثة، حيث تفعل الأميّة الأبجدية والحضارية فعلتها المريعة في تشويه وإلغاء مفهوم جامع للمواطنة والانتماء الموحد لوطن، ناهيك عن البطالة وتدني المستويات المعيشية وارتفاع نسبة الفقر المدقع.

إن عملية التحول للنظام الديمقراطي ليس قرارا تتخذه هيئة عليا او يتضمنه دستور دائم للبلاد بقدر ما هو نهج تربوي وسلوك اجتماعي، وهذا ما يحصل الآن في معظم ما يسمى بالديمقراطيات الفوقية التي اختزلت هذا الفكر والنظام بعملية تبادل مواقع السلطة عن طريق الانتخابات بعيدا عن الانقلابات العسكرية، لكنها اغفلت نقطة مهمة جدا وهي ان القائمين على تبادل المواقع يستخدمون ذات الأدوات التي استخدمتها النظم الشمولية في الشرق الأوسط والعالم الثالث عموماً والذي تسوده الأميّة بأشكالها المتنوعة الأبجدية والحضارية والسياسية المستشرية في قطاعات واسعة من الأهالي في المدن وبشكل أوسع في الأرياف، وهي التي تنتج حينما تجتمع جميعها أمة وطنية.

ولا شك بان عاملين مهمين جدا يعملان على اضعاف واضمحلال الثقافة الوطنية وهي القاعدة الأساسية للنظام الديمقراطي، وهذين العاملين يتم استخدامهما كأدوات وسلم للاستحواذ على السلطة اما بالشحن الديني او المذهبي او بالتكثيف العشائري وفي الحالتين يتم مسخ النظام الديمقراطي وإضاعة فرصة لبلورة مفهوم جامع للمواطنة خاصة في البلدان متعددة المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية، حيث تتلاشى فكرة المواطنة أمام الجهالة والضبابية في مفهومها الذي يُقزم البلاد ويختزلها في عرق او قومية او دين او مذهب او فرد، وهي برأيي واحدة من امتدادات البداوة وتراكم التخلف والتجهيل المتعمد من قبل معظم الأنظمة التي تسلّطت على البلاد، وذلك من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح العقول الذي تعرض له المواطن طيلة عشرات السنين خاصةً في العراق منذ قيام مملكته مطلع القرن الماضي وحتى تقزّيمها في حزب أو عرق أو دين أو مذهب أو قائد للضرورة؟

بحق إن ما يواجه العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ومن ماثلهم في التكوين السياسي والاجتماعي اليوم ليس إرهاباً منظماً وتدخلات مخابراتية وسياسية أجنبية بقدر ما هو هذه الحاضنات الأمية المسطحة التي أصبحت بيئة صالحة لانتشار العصابات والميليشيات وأفواج من الإرهابيين والقتلة وتجار السياسة والمخدرات، تحت خيمة الولاء الديني والمذهبي والعنصري خارج أي مفهوم للانتماء الوطني الجامع خاصة في بلدان تعج فيها المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية.

بلداننا اليوم بأمس الحاجة الى تنمية الانسان وتأهيله وطنيا أكثر من حاجتها الى تنمية في مجالات أخرى، لان تنميته وتأهيله هو القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها كل تنمويات البلد، وبدونها لا يكتمل إعمار ولا تصنيع ولا إنتاج، إنها حقا عملية إعادة تأهيل مجتمعاتنا بدءاً من رياض الأطفال وصعودا حتى البرلمان!
[email protected]


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.