بعدما انشغل السياسيون وبدأوا يركزون على أزمات أخرى في العالم وانشغل معهم الإعلام العالمي، هل على الرأي العام العالمي أن يستعد لأن «يتعايش» مع الأزمة الأوكرانية كحال العديد من الأزمات والقضايا الدولية؟
وفقاً للتجارب التاريخية الممتدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، فإن هناك أسلوبين لإنهاء أي نوع من الأزمات الدولية، الأسلوب الأول: عن طريق نجاح وساطة تقوم بها دولة أو منظمة دولية مثل الأمم المتحدة، كالخلاف الإثيوبي-الإريتري الذي استمر لثلاثة عقود ونجحت دولة الإمارات في المصالحة بين البلدين، وهناك الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات من القتال.
أما النوع الثاني: فهو إجبار الطرف المعتدي بالقوة على إنهاء تجاوزاته ووقف اعتداءاته على الطرف الآخر، الحرب الكورية عام 1952، وحرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل 1973، وتحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1991.
لكن الأسلوب الأكثر شيوعاً في التعامل مع الأزمات الدولية هو: ترك الأزمة مفتوحة ودون حل. ربما لأنها تحقق مكاسب سياسة واقتصادية وسوقاً لصناعة السلاح. فهذا الأسلوب هو أغلب ما يحدث مع الأزمات الموجودة حالياً، خصوصاً إذا كان الطرف المعتدي يملك نفوذاً سياسياً دولياً وقوة عسكرية مدمرة، ولدينا العديد من الأمثلة منها القضية الفلسطينية فهي رغم توفر كل أسباب إنهائها باعتبار أن لأصحابها حقاً مسلوباً، أو أنها أحد أسباب عدم الاستقرار العالمي إلا أنها مستمرة لأكثر من ثمانية عقود دون حل، وهناك الوضع الداخلي في أفغانستان كبيئة تهدد الاستقرار والأمن الدوليين وغيرها من القضايا والأزمات العالمية، وبالتالي فالناس في العالم يتعايشون ويؤقلمون أنفسهم على الوضع القائم.
الأزمة الأوكرانية هي الجديدة وحسب التقديرات الأولية للاستراتيجيين والمحللين العسكريين كان يفترض ألا تطول لأكثر من ثلاثة أسابيع، نتحدث اليوم وقد مر على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أكثر من ثلاثة أشهر.
جملة من الأشياء باتت ملاحظة حول الحرب الروسية - الأوكرانية كلها تعطي انطباعاً بأن على الجميع الاستعداد لإضافتها ضمن القائمة الموجودة من أزمات العالم والاستعداد «للتعايش» معها، منها: تجاهل الرئيس الأمريكي جو بايدن البحث عن حل لها، بل العمل على فتح أزمات جديدة في العالم وتحديداً مع الصين. وكذلك وجود حالة من التوازن النسبي في القوة بين روسيا وأوكرانيا، دون أن يقدر أحد الطرفين على إنهاء الأزمة بالانتصار العسكري أو السياسي، يترافق ذلك مع مرور المجتمع الدولي بأزمات أخرى، جدري القرود والمناخ.
إن استمرار الأزمة الأوكرانية تدخلنا في الجدل السياسي التقليدي حول الدور الفعلي لمنظمة الأمم المتحدة ودورها في تحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، وحول من عليه أن يتحمل مسؤولية إنهاء الأزمات الدولية؟ وهل على الآخرين الوقوف مع طرف ضد آخر وفق ما يعرف بالحرب الباردة أو نظام الأحلاف؟ لأن عدم إنهاء أزمة قائمة واستمرارها تدخلنا في سيناريوهات ظهور أزمات جديدة وهذه حقيقة، فمن أغسطس 2021 إلى وقتنا الحاضر، انتقلنا من أزمة أفغانستان إلى أزمة أوكرانيا وتجدد أزمة القدس دون القدرة على إيقافها.
الصدمة الأولى للأزمة، هي السمة الغالبة في كل القضايا الإنسانية التي نعيشها ولكن بعدها الكل يبدأ ترتيب الوضع ليعتاد على الوضع الجديد دون انقطاع الأمل بأن تنتهي الأزمة بإعلان أحد طرفي النزاع بالتنازل بعد أن يكون قد أجهده الزمن واقتنع بأن لا بد من إيجاد حل، كما حدث في جنوب أفريقيا أو انسحاب روسيا أيام «الاتحاد السوفيتي» من أفغانستان.
كأن على الإنسان في العالم أن يكون قادراً على التعايش مع كل الأزمات التي تجتاح العالم بمختلف أنواعها الطبيعية، أو تلك الأزمات التي تفتعلها الدول الكبرى.