علمتنا التجارب أنَّ مستقبل أي اتفاق مع إسرائيل مرهون بعبرة التنفيذ ومصداقية الالتزام. هذا الشعور لم يطل من باب تبسيط الإنجاز الدبلوماسي الأهم بالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترامب في ملف الشرق الأوسط، إنما يتسلل من نافذة التعامل مع رياح الواقع التي عادة ما تلفحنا بمفاجآت.
من حق سيد البيت الأبيض، وهو يطل على المنطقة على بساط الزهو بالنصر، أن يطالب بجائزة نوبل للسلام بعد أن أوقف مقترح النقاط العشرين الذي قدمه شلال الدم في غزة. ومن واجب دول العالم أن ترحب بالاتفاق التاريخي، فما عادت شموس الصباحات تتحمل مشاهد القتل اليومي.
صفحات التاريخ تختزن الكثير والكثير من خفايا تلك الغزوة السنوارية وأبعادها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2023.
في السياسة، سلخ الطوفان السنوارى "طوفان الأقصى" القضية الفلسطينية عن بيئتها ومحيطها العربي والإسلامي، وأمسكت طهران بمفاتيح خزائن الساحات تقدمها الواحدة تلو الأخرى قرباناً لبقاء النظام.
في السياسة أيضاً، قطّع اتفاق شرم الشيخ بين إسرائيل وحركة حماس أوصال القضية الفلسطينية. غابت اتفاقات أوسلو عن بنود الاتفاق تماماً، كما غابت السلطة الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
في السياسة أيضاً، وما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ليقبل بتراجع آلة الدمار والتدمير لولا حالة الضغط العالمي غير المسبوقة التي أوجدتها الدبلوماسية السعودية، والتي توجت باعتراف العالم بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته. ومن هنا لا يمكن إغفال إشارة الرئيس ترامب إلى هذه الحالة السعودية العالمية بقوله: "قلت لنتنياهو لا يمكن أن تحارب العالم".
اتفاق شرم الشيخ هو "أفضل الممكن"، بيد أن الشيطان يكمن في النقاط العشرين الواردة في مقترح الرئيس ترامب. ومن المفيد التوقف أمام ما ورد نصاً في المقترح: "ستطلق الولايات المتحدة حواراً بين إسرائيلي والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي المزدهر". ويلاحظ هنا أن المقترح يركز على حوار بين إسرائيل كدولة وبين الفلسطينيين كمجاميع للتعايش، والسؤال هنا: أين الدولة الفلسطينية؟
واضحة بصمات الصهر الرئاسي الأميركي جاريد كوشنر في مقترح السلام، وهو بالتأكيد يسعى لإحياء مشروعه الذي عرف بـ "صفقة القرن"، ولكن بحلة تغلفها مكتسبات الأمر الواقع.
الحديث يتعمق حول مجلس للسلام فوق بقعة من الركام، الطريق طويل وصعب، والمفاجآت قد لا تكون بعيدة.


