الدوحة: "أود أن أشكركم لأن اليوم والدتي ستحضر المباراة في المدرجات وهي لم تشاهد كأس عالم قط في حياتها". بهذه الكلمات استنهض المدرّب الفرنسي هيرفيه رونار همم لاعبي المنتخب السعودي، قبيل مباراة الفوز التاريخي على الأرجنتين (2-1)، ضمن منافسات مونديال قطر 2022.
ليروي خفايا هذه المباراة، نشر المنتخب السعودي عبر حسابه على تويتر فيديو بعنوان "يوم لا يُنسى"، وثّق فيه اللحظات الحاسمة قبل المباراة وخلالها وبعدها.
22 نوفمبر 2022
— المنتخب السعودي (@SaudiNT) November 24, 2022
يَـــــــــوم لا يُنسى #كواليس_الأخضر ☕ pic.twitter.com/qnLF2nxv48
تبدأ الرواية بجمل قصيرة تُسمع هنا وهناك عن توقعات المباراة قبيل بدايتها: "منتخب الأرجنتين ممكن يفوز. الله يعين المنتخب السعودي. كل مباريات الافتتاح إحنا (نحن) خسرانين".
لم يكن رهاناً، بل منطقاً كروياً عندما تواترت الأحاديث عن الدعاء ألا يخسر المنتخب السعودي بنتيجة كبيرة. ستة أهداف؟ عشرة لميسي؟ الله يستر! هكذا كانت غالبية التعليقات قبيل المباراة.
"استمتعوا"
لكن سفن الإرادة السعودية كسرت رياح المخاوف في نهاية المطاف، للمنتخب الذي أمره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المعروف بحزمه، بأن "استمتعوا".
لا ضغوط "ملكيّة" إذاً. ومعنويات أوليّة من رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل الذي قال للاعبين قبيل المباراة "سنلعب ضد منتخب كبير، لكن أنتم أيضاً منتخب كبير. أنتم لاعبون مميزون لديكم مهارات ولديكم إمكانيات كبيرة جداً".
بعدها بدأ الفرنسي محاضرته الحماسية والعاطفية للاعبيه المنصتين قائلاً "أنظر إلى الشخص الذي إلى جوارك في هذه المحاضرة، هل تثق به؟ هل يثق بك؟ نعم. لأنك تعلم أنه سيفعل كل شيء من أجلك وأنت ستفعل كل شيء من أجله".
وأضاف "لذلك نريد التضامن مع بعضنا دائماً، أن نثق ببعضنا. ليس من السهل أن تبدأ على دكة الاحتياط، لكن دقائق قليلة يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً. كونوا جاهزين، ثقوا باللاعبين الذين سيبدأون أساسيين، ثقوا باللاعب الذي سيدخل بديلاً. عليكم أن تنظروا في وجوهكم بالمرآة في غرفة الملابس قبل الدخول إلى الملعب وأن تنظروا إلى بعضكم البعض وأن تقول لزميلك أنك تثق به حتى يعلم أنك تثق به".
استخدام العاطفة
استفزّ "الثعلب" رونار الذي استلم تدريب "الأخضر" في تموز/يوليو 2019 بعد تجربة على رأس الجهاز الفني المغربي ومشاركة في مونديال روسيا خرج فيه من الدور الأول، عاطفة لاعبيه.
وقال "نحن نعرف بعضنا البعض الآن بشكل ممتاز، بعد عشرين سنة ستتذكرون كأس العالم هذه، وربما ستلتقي أحدهم في الشارع ويقول لك +أنا أذكر هذه المباراة وكانت مباراة رائعة+ نعم هذه المباراة أمامنا، مباراة اليوم. (...) هذه فرصة حياتكم بعد ذلك سيفوت الأوان".
وأضاف "هذا الصباح هناك 35 مليون سعودي يصلّون من أجلكم وأنتم تعلمون ذلك، بعض من عائلاتكم سيكونون اليوم في المدرجات، وبعضهم خلف الشاشات، لأن الحياة ستتوقف اليوم في السعودية، الساعة الواحد ظهراً (وقت المباراة) ستتوقف. وسيركزون عليكم، هل تتخيلون أن نحني رؤوسنا للأسفل ونستسلم؟ هذا مستحيل!".
غاضباً وشرساً في الكلمات السابقة، استعاد رونار بعد ذلك عاطفته بنفسه عندما شارك اللاعبين شعوراً كان تأثيره واضحاً على وجهه.
قال الفرنسي "أمضينا ثلاث سنوات مع بعضنا البعض، أود أن أشكركم لأن اليوم والدتي ستحضر المباراة في المدرجات. لم تشاهد كأس عالم قط في حياتها، عمرها 80 عاماً وبسببكم هي هنا".
نبرة حاسمة
قبل دخول الملعب، كان لقائد المنتخب سلمان الفرج دوره في الحديث مع اللاعبين قائلاً بنبرة حاسمة "خلّي النتيجة على جنب هذه في علم الغيب".
وأضاف "أنظر إلى الناس الآتية ونحن في الباص. كل الدنيا خضراء. جاؤوا ليسوا من أجلكم بل من أجل البلد، ونحن نلعب من أجل شعارنا وبلدنا. نحن نلعب ضد 11 لاعباً وليس لاعباً واحداً (...) إنجوي (استمتعوا) يا عيال إنجوي. مسؤولية بعد كل شيّ، مسؤولية باللعب".
بدأت المباراة، وتقدّمت الأرجنتين. هدف للنجم ليونيل ميسي من ركلة جزاء في الدقيقة العاشرة وثلاثة أهداف ملغاة. لذا، ظنّ الأرجنتينيون أن المباراة في المتناول، وانتهى الشوط الأول بتقدّم "ألبي سيليستي"، وخروج الفرج مصاباً.
داخل غرف الملابس، كان رونار ساخطاً. جلس على المصطبة وقال "هل أفعل مثلكم الآن يا شباب؟ ها؟ أجلس وأطأطئ رأسي؟، باستثناء سلمان لأنه لا يمكنه اللعب الآن، لكن البقية؟".
وتابع "ماذا نفعل هنا؟ صالح (الشهري)؟ هل هذا ضغط؟ يمسك ميسي الكرة في منتصف الملعب أنتم تقفون وتنتظرون الدفاع، تريد لعلي (البليهي) أن يخرج من دفاعه ليضغط عليه؟ خذوا هواتفكم وتصوّروا معه إذا أردتم، لديه الكرة!".
وتابع "لا يوجد أحد من الدفاع؟ أركض أنت وأقفل عليه! كنتم جيدين بالكرة، هل رأيتم ما فعلتموه، لم تشعروا بشيء؟ ألا تشعرون أنه يمكننا العودة بالمباراة؟ نلعب مرتاحين! هيا يا شباب هيا هذا كأس عالم! أعطوا كل شيء كن جاهزاً أمام المرمى، كن مركزاً، إذا ما أتتك كرة لتتمكن من التسجيل".
الإعصار السعودي
يقول "الزلزال" السعودي ناصر الشمراني كما كانت تلقبه الجماهير، عن رونار لفرانس برس "صحيحٌ أن المدرب يرسم الأدوار الفنية ويضع الخطط (...) لكنه عرف كيف يُخرج من اللاعبين كل ما لديهم من طاقة. كان لتعليمات رونار مفعول السحر على اللاعبين".
وبالفعل ضرب الإعصار السعودي بقوّة مطلع الشوط الثاني وتحديداً بين الدقيقتين 48 و53 حيث نجح الشهري في إدراك التعادل أولاً، ثم جاء دور الـ"تورنيدو" سالم الدوسري الذي قام بحركة فنية رائعة وأطلق كرة قوية في الزاوية البعيدة للمرمى الأرجنتيني.
"يااااااااه يااااااااااه، الله أكبر، الله أكبر" صرخ الفرج المصاب والإداريون في غرف الملابس احتفالاً بفوز لا يصدّق.
فوز كان صعباً في الأحلام، لكنه لم يكن مستحيلاً في أرض الواقع. دخل وزير الرياضة السعودي عبد العزيز بن تركي إلى غرف ملابس اللاعبين بعد المباراة وأخبرهم بما كانوا عاجزين عن استيعابه في اللحظات الأولى: "لقد فزتم على مرشح كأس العالم، فزتم على أفضل لاعب في العالم، بأدائكم. باقي مباراتين. قادرون. إذا أردتم فأنتم قادرون".