: آخر تحديث

الانفصام القيمي

82
85
74
مواضيع ذات صلة

ما أقصده بالإنفصام القيمي ، ليس كالإنفصام الذهني ( الشيزوفرينيا) وإنما هو مسمى جديد أحببت أن أطلقه على حالات منفصمة قيمياً في الواقع العربي حتى وصل إنفصامها الى مستوى الظاهرة .

والمصاب بمرض الفصام الذهني ،كالمصاب بداء السكر أو الضغط ،مجرد خلل في غدة أو في عضو من أعضاء الجسم ، وبمجرد تشخيص الحالة تتم المعالجة والتأقلم مع العلاج ، وهي أمراض خارجة عن إرادة الإنسان.

أما الإنفصام القيمي ، فهو مرض يصيب   المريض بإرادته وهو في كامل قواه الذهنية والعقلية ، لكنه خارج قواه الأخلاقية .

 لأن ذلك المرض يتناسب والتركيبة التربوية والثقافية والأخلاقية للشخص الذي يجد في مرضه لذة حتى وهو يتسفل ويتناقض أمام أعين الناس وعلى شاشات التلفزة ووسائل الميديا الحديثة.

والمنفصم قيمياً : شخص رخيص لاقيمة لنفسه عنده .. ويتلذذ فيغرس قبحه وبث سمومه  ونشر شروره ، نتيجة عقد مزمنة وثقافة رديئة لم تلهمه نخوة الأحرار وسؤددهم ولم يشعر يوماً بلذة الإحترام والاعتزاز بالنفس ، مما يضطره أن يكون أداة في يد كل مستأجر يدفعه أن يفعل كل ما يعكر صفو الحياة الجميلة .

قد يختلف الناس في الأفكار والآراء كحالة صحية وطبيعية .. سواء كانت أفكاراً سياسية أو علمية أو فلسفية .. وغيرها من الأفكار والأراءالتي تخص جوانب الحياة ، ويكون الإنسان عرضة للفهم القاصر أوالخاطيء وهو أمر طبيعي . حتى نظريات علوم العباقرة نيوتن وانشتاين وغيرهم  تعرضت للنقص والنقد ، كدليل على أن العلم بحر لاشواطيء له ولا حدود . وكذلك كانت النظريات الفلسفية والفكرية  لعباقرة الفلسفة من سقراط مرورا بفلاسفة الغرب وحتى نعومي تشومسكي ، عرضة للنقد والإختلاف في الرأي حولها .

لكن القيم الأخلاقية في كل الأديان والفلسفات وعلى مر  العصور  والحضارات ، ثابتة ولاتحتاج الى من يغير رأيه أو فكره فيها . 

فالصدق والأمانة والكرم والشجاعة والعدالة .. الى آخر القيم الأخلاقية المعروفة ، لا يختلف عليها إثنان مهما اختلفت اتجاهاتهما ، وتحث عليها كل الشرائع والتقاليد بما فيهاالتقاليد والعادات القبلية الأصيلة .أما الدين فقد أمر بتلك القيم كجزء من قيم العبادة ، ونهى عن ممارسة الظلم كنقيض للعدالة في محكمة القاضي ، مثلما اعتبر أن المنافق يتبوأ مكانة بارزة في الدرك الأسفل من النار .

والكذاب ثمرة من ثمرات المنافقين، لأنه يناقض قيمةً عظيمةً وهي قيمة الصدق .

وهذا لا يعني أن هناك انسان كامل ،فالكمال لله جلت قدرته ، لكن الانسان المنفصم قيمياً يظل أسوأ وأردأ وأحط أنواع البشر ، خاصة إذا كان يتلبس بعباءة دينية تجعله اليوم يقف مع مبدأ قيمي صحيح (لغاية ليست أخلاقية) ثم يقف غداً ضد نفس المبدأ أو الرأي لغاية أخرى ليست أخلاقية أيضا.

فالثابت ، لا يحتاج أن تراه في عدة صور ، عكس المتغير  ، و المتلون لاتستطيع أن تميزه بلون واحد .وكذلك المنفصم القيمي لايستطيع أن يكون له مبدأ ثابت مع الحق الأبلج ، أوضد الباطل الظِلّيم ،بقدر ما يكون له رأي معتم وظالم ساعة سطوة الظلام ، ويكون متوارياً برأيه كلما فضحته الأشعة في عزالنهار .

يتلون المنفصم قيمياً حسب لون الشجرة ( كالحرباء) .. أو حسب نوع المنتصر ( سواء كان المنتصر بالحرب أو بالثقافة) .. أو حسب نوع الدفع ( سواء كان الدفع بالعصا أو بالمال ).

والقيم الأخلاقية : ثوابت منذ الأزل.. فمن المستحيل أن تكون  قيمة الصدق فضيلة في مجتمع ما ، وتكون رذيلة في مجتمع آخر ، وكذلك الأمانة والعدالة والشجاعة وغيرها من القيم الأخلاقية المتفق عليها في كل الشرائع والأديان والحضارات .

وقد رفع الله من قدسية تلك القيم في كتبه المقدسة ، ووضع معاييره للحكم على الأمور  بصدق وأمانة وعدالة ، لا يجهلها إلا جاهل أومنفصم .

وعندما تجد من يدعي الإستقامة والتدين ثم يكذب أو يخالف قوانين الأمانة والعدالة أيا تكون مهمته ،فإنه منفصم قيمياً ويرتكب أعظم الجرائم ، كونه صار محل ثقة الناس ومن ولاه الأمانة ، وأصبح خائناً وكاذباً ومدلساً ، يستحق أقسى أنواع العقوبات القانونية .

أما جزاؤه الإلهي فعند خالقه حين يلقاه بعد حياة ذليلة  .

فالمنفصم القيمي ، عندما يستخدم الدين للكذب وتزوير الحقائق وتكفير الناس ، لا يسيء للعلاقة بينه وبين الله فحسب ، وانما يسيء للقيم الأخلاقية العظيمة ويعكس صورة قاتمة للدين وللواقع ، ويصبح قدوة للآلاف من المخدوعين والسذج ،ويضر بمصلحة الأمة وبالأمن القومي للدولة التي ينتمي اليها بسبب ما يغرسه من بغضاء وكراهية وعداوات لو تم استغلالها من قبل أعداء أو متربصين  لتدمير أوطان وزوال دول .

والمجتمعات العظيمة : هي المحصن الوحيد  ضد المنفصمين قيمياً ، حين تبذر ثقافة إنسانية راقية في أرض لا تنبت أعشاباً مسمومة ، ولا تسمح تلك المجتمعات الطيبة  للمعتوهين ومعاقي الفكر  وتجار الفضيلة وماسحي الجوخ أن  يتقدموا الصفوف ويعتلوا المنابر  ويحملوا شرف الكتابة بالأقلام التي أُغتصبت طهارتها حين لامستها الأصابع الأجيرة ، وحتى لا تكون  تلك المجتمعات الطيبة مطيةً لمن يريد أن يمتطي عقولها كي يجرها الى المهالك ، ناهيك عن التخلف والعودة الى العصور المظلمة !


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي