: آخر تحديث

اليابان من وجهة نظر عربية: الجراثيم واحترام الطبيعة وكائناتها

78
98
93
مواضيع ذات صلة

لفت نظري دعاية تلفزيونيه تقول: "يا أطفال اغسل يدك قبل الاكل، واستخدم الصابون (الفلاني)، لأنه يقتل جراثيم بنسبة ثلاثة اضعاف الصابون العادي."طبعا نحتاج للنظافة والطهارة لنحافظ على نظافة اجسامنا وطهارة ارواحنا، ولكن وكما نعلم كل سلاح في الوجود له فوائده ومضاره، وبقدر ما لعبت المنظفات والمضادات الحيوية دورا مهما في القضاء على الكثير من الامراض، بقدر ما أدى سوء الاستخدام، لأن تحول الجراثيم الكثيرة المفيدة للإنسان والطبيعة، لعدو لدود ضدهما، بل لتقوى الجراثيم القليلة الضارة، لتقاوم الكثير من المضادات الحيوية، ولتصبح هناك معضلتين خطيرتين، عدم إمكانية علاج الكثير من الجراثيم بالمضادات الحيوية مع ارتفاع كلفتها، والقضاء على معظم الجراثيم المفيدة لصحة اجسامنا وعقولنا وارواحنا. ويبقى السؤال: ما الذي أدى لسوء استخدام المضادات الحيوية؟ وهل لذلك علاقة بتاريخ حضارة تكنولوجية أفقدت التناغم بين الانسان والطبيعة وكائناتها؟

  وصلت الامبراطورية الرومانية لذروة توسعها في القرن الثاني بعد الميلاد. وبدأت في الانهيار بعد القرن الثالث، بعد أن زادت الخلافات والصراعات بين حكامها، ليرتفع الصرف على العسكر وتزداد نسب الضرائب، ويترافق ذلك بازدياد نسب الفقر، وانخفاض النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب التضخم. وقد ادى ذلك لانتشار عدم الاستقرار في هذه الامبراطورية الشاسعة، وضعفها، مما شجع برابرة الغرب الأوروبي لغزوها ليؤسسوا إمبراطوريتهم في الجزء الشمالي منها. وقد جدد قسطنطين الكبير في عام 330 المدينة البيزنطية، وسماها باسمه القسطنطينية، كما أخذت المسيحية في الانتشار تدريجيا منذ القرن الثاني وحتى القرن الخامس. وحينما بدأت الخلافات الدينية وتشكل طوائف متنازعة بين أنصار المسيح، عليه السلام، انتقلت أوروبا إلى العصور الوسطى من القرن الخامس ولتستمر حتى القرن الخامس عشر، بينما بدأ بزوغ الإمبراطورية الإسلامية في القرن السابع ولتنتشر في الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تسمى بالإمبراطورية البيزنطية. وقد بدأ عصر النهضة الأوربية بالثورة الفكرية على قيادات الكنيسة، والتي ترافقت بالإصلاحات البروتستانتية في عام 1517، وأخذت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالتطور، وخاصة بعد الرحلة المشهورة لكريستوفر كولومبوس إلى القارة الامريكية في عام 1492، وبعد غزو غرناطة في عام 1504، وموت الملك فيرناندز الثاني في عام 1516. وقد تبلور عهد النهضة الثقافية الأوروبية في ايطاليا، وليمتد لباقي دول اوروبا في الفترة ما بين القرن الرابع عشر والسابع عشر، بعد أن انتهى عصر الامبراطورية العربية الاسلامية، وأخذت تضعف الامبراطورية العثمانية الاسلامية، التي استمرت في التدهور حتى القرن العشرين. وقد ساعد تطور صناعة الورق والطباعة لانتشار الافكار النيرة، وترافق ذلك بتطور التعليم، كما ساعدت النهضة الثقافية في تطور الدبلوماسية والعلوم الطبيعية والإنسانية حيث زاد الاهتمام بالملاحظة والاكتشافات العلمية، مما أدى لتطور التكنولوجية الصناعية، وترافق ذلك ببروز اكتشافات علمية جديدة. وليبدأ الإنسان برحلة جديدة من تاريخه، ليعمل في رضخ الطبيعة لخدمة رغباته، بل تطور الوضع مع الوقت لنوع من العداء ضد الطبيعة بشكل مادي استهلاكي غير روحاني. فقد تصور الإنسان بأنه قد استطاع السيطرة على قوى الطبيعة وتوجيهها كما يشاء، لتتحول فكرة التآلف والتناغم مع الطبيعة، لتصور السيطرة عليها واستغلالها، بل ومحاربتها لتطويعها لخدمة استهلاكية الحاجيات والرغبات البشرية. بل لتتخلف هذه الافكار لتبدأ الافكار العنصرية، بأن يصنف أيضا البشر لأصناف سوداء أو دونية، وأصناف اخرى بيضاء فوق البشر، وخاصة بعد امتداد الاساطيل الاوربية لمختلف ارجاء كرتنا الارضية، واستعمار الكثير منها، واستغلال شعوبها كعبيد ملونين. 

​ومع الأسف الشديد استمرت هذه الافكار العدائية تتوغل ليس فقط في العلوم الانسانية بل ايضا في العلوم الفيزيائية والبيولوجية الطبية. وبينما بدأالطب الغربي في تطور علمي مادي، تناسى الروحانيات الانسانية، بل وحتى التناغم الجميل بين الإنسان وما حوله، من طبيعة خلابة، ومخلوقات متنوعة،متناسقة الوجود. وخير مثل على ذلك الحرب بين إنسان عصر النهضة الأوربي والطبيعية بكائناتها الحية، هو التطورات في الرعاية الصحية، ومفهوم القضاء على الميكروبات والجراثيم. فبعد أن تطورت الأبحاث العلمية في اكتشاف الأسباب الحقيقة وراء بعض الأمراض الإنتانية، وبدء البحث عن أدوية تستطيع القضاء عليها، توصل العلماء لمعرفة دور الميكروبات والجراثيم في تسبب بعض هذه الأمراض، لتبدأ حرب شرسة ضد جميع الميكروبات ومحاولة القضاء عليها، بدون التساؤل لماذا وجودت هذه الميكروبات والجراثيم في الكون؟ هل وجدت الميكروبات للقضاء على الإنسان، أم هي موجودة لخدمة الطبيعة والإنسان بتناسق إلهي جميل؟ وهل هي فعلا السبب الاولي للأمراض، أم السبب الأساسي التلاعب الهمجي بالطبيعة، ومخلوقاتها الصغيرة والكبيرة، ليؤدي ذلك لفقدان هذا التوازن الخلقي الإلهي الجميل، وليسبب تغيرات في آليات المناعة، ليؤدي ذلك لمرض جسم الإنسان وعلته؟ وهل هذه العلة تنتج من شراسة هذه الميكروبات والجراثيم العدائية، أم هي نتيجة لضعف مناعة الإنسان، بسبب تغير النمط الحياتي الطبيعي في فقد التوازن بين الحركة والأكل والشرب والجهود الفكرية المضنية والمسببة للقلق؟ وما دور فلسفة الطب الحديث في زيادة شراسة هذه الميكروبات وصعوبة علاجها، بمقاومتها للمضادات الحيوية؟

بدأت رحلة الإنسان مع الميكروبات والجراثيم منذ زمن طويل، وتذكرنا كتب التاريخ بأن الخليفة هارون الرشيد طلب من أطبائه في القرن الثامن الميلادي اختيار موقع مناسب لمشفى جديد. فقام أحد أطباء العرب المشهورين في ذلك الوقت بدراسة عدة مواقع مختلفة، ووضع في كل موقع عدة طيور مذبوحة. وحينما قابل ذلك الطبيب الرشيد واقترح عليه الموقع الذي تصور بأنه مناسب للمشفى، حاول الرشيد معرفة السبب في هذا الاختيار، فرد الطبيب عليه بالقول: "لقد راقبت سرعة تحلل الطيور المذبوحة في المناطق المعينة، واخترت الموقع الذي كان تحلل الطير فيه الإبطئ، لاعتقادي بأن هواء ذلك المكان أكثر نقاء." وكأن هذا الطبيب يقول للرشيد بأن هواء هذا المكان أقل تجرثما بالميكروبات. لقد كان العالم متحيرا منذ عصر أبقراط وحتى اكتشافات لويس باستور، في أسباب الامراض الانتانية،لتبدأ ثورة في هذا المجال منذ عام 1879 وحتى عام 1900. وقد لعب العالم الفرنسي لويس باستور، والكسندر فليمنج، وادوارد جنر، وروبرت كوخ، دورا كبيرا في فهمنا لدور الميكروبات والجراثيم في الأمراض الانتانية. وتبدأ قصة الجراثيم مع ولادة العالم البريطاني ادوارد جنر في عام 1749، والذي عاش حتى عام 1823. فقد درس جنر الطب، وكان ملهما بحب الطبيعة، وحاول اكتشاف اسرار مخلوقاتها منذ صغره. وفي أحد الأيام تذكر بأن النساء التي تحلب الأبقار في بريطانيا مشهورة بعدم أصابتها بمرض الجدري، الذي كان يقضي على الملايين من البشر في ذلك الوقت، فبدأ البحث في سر هذا الأمر، فعرف بأن هذه النسوة تصاب بمرض جدري الأبقار، والذي يؤدي بتقرح بسيط في اليد بدون أن يسبب اختلاطات خطيرة أو مميتة. وبعد أن درس جنر هذه الظاهرة استنتج بأن جدري البقر يصيب هذه النسوة، ويؤدي لخلق مناعة لديهم ضد مرض جدري البشر، وحاول أن يثبت نظريته هذه، فقام بتجربة على ولد يسمى بجيمس فيب. فأخذ قيح من قروح يد امرأة تسمى بسارة، مصابة بجدري البقر، وحقن هذا القيح في جسم الولد جيمس فيب، وأستمر في تكرار حقن القيح وبكميات متزايدة. وبعد فترة، قام بحقن قيح من مرضى مصابين بمرض جدري البشر في جسم فيب، فلاحظ بأن هذا الولد مرض مرضا بسيطا، ولكنه شافي منه بعد عدة أيام شفاء كاملا. واستنتج الطبيب جنر بأن تلقيح الولد جيمس فيب بقيح مرض جدري البقر، قد خلق مناعة لديه ضد جدري البشر، وقد قررت الحكومة البريطانية في عام 1840 بأن يكون هذا العلاج الوحيد، لمنع انتشار مرض الجدري. ومن هنا بدأت رحلة العلاج باللقاحات للأمراض الانتانية. وقد لعب العالم الفرنسي لويس باستور،الذي ولد في عام 1822، دورا مهما في فهمنا للأمراض الانتانية، فقد برع في الدراسة ليصبح عميد لكلية العلوم وهو في الثلاثين من عمره. وقد زاره صديق له يملك مصنع لصناعة المشروبات، فشكى له عن معاناة مصنعه من تعرض مشروباته للحموضة، بسبب تخمر ما. فدرس باستور هذه الظاهرة، فافترض بأن سبب هذه الظاهرة وجود بعض الميكروبات التي تحول المشروبات إلى حمض الخل. ولم يتصور علماء ذلك العصر أن تكون نظرية باستور صحيحة، بل اتهموه ضد أفكاره الخيالية الغير واقعية. وقد عانى باستور الكثير حتى استطاع أن يثبت للعالم بصحة نظريته، بأن هناك كائنات حية صغيرة جدا، يمكن أن تسبب امراض مختلفة.

وبعد اكتشاف الجراثيم والميكروبات، بدأت رحلة تاريخ الطب في العالم بعلاج الأمراض الانتانية. فقد لاحظ طالب فرنسي يسمى بارينست دوشيسن، في عام 1896، بأن الجراثيم العنقودية بدأت تموت بتواجد فطور "بنسيلين نوتاتم"بقرب منها. واستمرت هذه الملاحظة معلقة في المدونات الطبية حتى عام 1928، حينما اكتشف، مرة أخرى، العالم البريطاني اليكسندر فلمنج، الذي كان يعمل بمستشفى سانت ماري بلندن، بأن الجراثيم العنقودية تموت بتواجد فطور خضراء زرقاء حولها. فقرر أن يقوم بزراعة هذه الفطور ليستخلص منها مادة يمكنها قتل بعض الجراثيم المسببة للأمراض المعدية، وسمى هذه المادة بالبنسيلين. وقد نشرت أبحاثه في عام 1929، ليؤكد فيها بأن البنسيلين له خواص علاجية ضد الجراثيم، ويمكن إنتاجه بكميات تجارية لعلاج المرضى. وهنا تبدأ رحلة تاريخ الطب مع المضادات الحيوية والتي أخذت تصنع بتنوع كبير، وتستخدم أحيانا بشكل مفرط، لتبرز تدريجيا أنواع من الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية والتي من الصعب علاجها. كما تحولت الفلسفة الطبية من أن العلاج يعتمد على تقوية مناعة المريض لكي يقاوم جسمه الأمراض، لفلسفة حرب شرسة ضد الكائنات الحية الصغيرة، التي قد تؤدي لأمراض خطيرة إذا ضعفت مناعة الجسم. ولنتذكر بأن هذه المضادات الحيوية لها تأثيرات جانبية خطيرة على الجسم وعلى البيئة إذا لم تستخدم بفلسفة طبية حكيمة. ويجب أن لا ننسى أيضا دور دول الشرق الاخرى كاليابان في تطوير العلاجات ضد الامراض الانتانية. فقد كان لليابان دورها الخاص في هذا المجال، ومن أحد أبرز علماءها الطبيب الياباني يديو نوجوشي. ولد الطبيب نوجوشي في عام 1876 وبإقليم فوكوشيما، وتعرض في صغره لحروق بالغة، ولم يتوفر العلاج اللازم لمعالجته في منطقته، فساعده اهالي قريته إلى السفر للعلاج بمركز طبي متخصص في اليابان، ليتم علاجه على يد الطبيب وتنابيه. وحينما كبر نوجوشي قرر دراسة الطب، وتدرب على يد طبيبه الذي عالج حروقه، ليتخرج من كلية الطب ويمارس الطبابة وهو في العشرين من عمره. وقد أثبت براعته في الطب، وسافر في عام 1900 إلى الولايات المتحدة ليكمل ابحاثه الطبية على مرض السفليس، وقد رشح لجائزة نوبل في الطب، بعد أن اكتشف سبب الشلل في المرضى المصابين بمرض السفيلس، حيث وجد مكروبات هذا المرض في خلايا المخ. ولعب الطبيب نوجوشي دورا مهما في اكتشاف لقاح الحمى الصفراء، وقد أصيب بمرض الحمى الصفراء وهو يجري أبحاثه في أفريقيا وتوفى في عام 1928.

لقد تطورت سبل الكشف عن الميكروبات وطرق علاجها خلال القرن الماضي، وأخذت تستخدم المضادات الحيوية أحيانا بشكل مفرط، لتبرز تدريجيا أنواع خطرة من الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية والتي من الصعب جدا علاجها. كما تغيرت فلسفة التناغم في الطب القديم، من علاج يعتمد على تقوية مناعة المريض لمقاومة الأمراض، إلى فلسفة طب حديث يعتمد على الحرب الشرسة ضد جميع الميكروبات، التي أصلا الكثير منها جزءا مهما من مكونات الجسم. ويبقى السؤال: ما هي التحديات الجديدة التي يعاني منها الطب مع التطورات التكنولوجية الجديدة لمعالجة الأمراض الوبائية؟ وما تأثير هذه التطورات على التناغم الذي يعيشه الإنسان مع الميكروبات التي من حوله، بل وبداخل جسمه؟ وهل لذلك تأثير على كفاءة العلاج وكلفة الطب؟ 

​لقد ناقشت جريدة واشنطن بوست الأمريكية، هذه التحديات في مقال بعنوان: قد تلعب جراثيم جسم الإنسان دورا أساسيا في صحته. فيؤكد المقال بأن جسم الإنسان يحتوي على مائة تريليون خلية، ولكن في الحقيقة تريليون واحد فقط من هذه الخلايا هي خلايا بشرية، أما الباقي فما هي إلا ميكروبات مكونة من جراثيم وفيروسات وفطريات. ويبدو بأن هذا التعايش بين جسم الإنسان والميكروب هو الأسلوب الذي تعتمد عليه الطبيعة، التي خلقها الخالق، جل شأنه، لخلق التناغم والتجانس والتوازن بين الإنسان والطبيعية التي حوله، لتصبح جزءا أساسيا من مكوناته. ولنتذكر بأن الكائنات الحية تتكون من وحدات ميكروسكوبية متناهية الصغر تسمى بالخلايا، وبعض هذه الكائنات تتكون من خلية واحدة فقط كالجراثيم، وبعضها الآخر يتكون من تريليونات من الخلايا، وتتضاعف عدد هذه الخلايا، بتواجد خلايا ميكروبات خارجية تزيد عددها أضعاف مضاعفة. فمثلا الخلايا البشرية التي تكون الجلد والعين والإذن، وباقي أجزاء جسم الإنسان، تزيد على عددها بعشرة اضعاف عدد الجراثيم والفيروسات والفطريات والميكروبات الأخرى الموجودة على سطح الجلد، وبداخل الفم والأمعاء والقصبات الهوائيةوالمجاري البولية والتناسلية. وقد يخيف هذا العدد الهائل من الميكروبات الموجودة في جسم الإنسان الكثير من البشر، ولكن ذلك انفعال خاطئ، فهناك الكثير من الحقائق التي تؤكد بأن التناغم الميكروبي البيئي الذي يعيش بداخل أمعاء الإنسان وفمه وأنفه وعينه ورئته وباقي تجويفاته، تلعب دورا أساسيا في المحافظة على صحة الإنسان ونموه. بل والأكثر من ذلك، هناك حقائق جديدة أقنعت علماء الطب بأن التغيرات المعاصرة في الأكل والشرب والتفريط في استخدام المضادات الحيوية والهوس المتزايد بالنظافة والعمليات القيصرية المتصاعدة للمواليد، تؤدي لاضطراب هذا التوازن الطبيعي بين جسم الإنسان والميكروبات ليؤدي إلى الكثير من الاضطرابات التي تنتهي إلى أمراض مزمنة، كأمراض الحساسية والربو التنفسي والبدانة وداء السكري وأمراض المناعة الذاتية والسرطان، وربما حتى مرض التوحد النفسي العقلي. وقد لعبت التطورات التكنولوجية على المستوى الذري دورا هاما في معرفة أسرار المورثات والجينات ومادة الحمض الريبي النووي المنزوع الأوكسيجين (دي إن إيه)، لتكشف عن الأهمية الكبيرة لدورها في تشكيلنا ككائنات بشرية وتعايشنا بشكل جميل مع ما حولنا من ميكروبات، وأدت لبروز علم جديد في اختصاص الطب وهو علم الميكروبيوتا.  بل يعتبر العلماء هذه المكونات الميكروبية الموجودة في جسم الإنسان عضو إضافي جديد ويكتسب الإنسان هذه الميكروبات منذ ولادته ونزوله من قناة الولادة التي تؤدي لتطوير جهازالمناعة في الطفل الوليد، بالإضافة لتطوير المعايير اللازمة للاستقلاب الكيماوي في جسمه لخزن الطاقة واستهلاكها، بل تؤدي لنمو المخ لتؤثر على السلوك الإنساني للبشر. كما بدأ الأطباء زرع الميكروبيوتا لمعالجة بعض الأمراض البشرية، كمرض الكرون والتهابات القولون واضطرابات الأمعاء المثارة، وحتى بعض حالات البدانة والتصلب العصبي. فقد عرف الطب منذ زمن أهمية ميكروبات الجسم في عمل بعض الوظائف المهمة في الجسم، كهضم الطعامواستخلاص مواد مهمة للجسم ومحاربة الإمراض الخطيرة. كما كشفت الأبحاث مؤخرا فقدان الجراثيم المكتسٍبة من النزول الطبيعي للوليد من الاقنية التناسلية في مواليد القيصرية، وقد تفسر زيادة عدد العمليات القيصرية، التي تمنع اكتساب الطفل الوليد ميكروبات القناة التناسلية من الأم، زيادة نسب الربو وحساسية الأغذية بسبب اضطراب جهاز المناعة.  ويلعب تفاعل الميكروبات الموجودة في الجسم مع جهاز المناعة دورا هاما في زيادة امراض اضطراب المناعة، ويبدو بأن الميكروبيوتا ترسل إشارات تخمد المنعكس الالتهابي، وهو طريقة دفاع أساسية في كثير من الأمراض كالسرطانات والبدانة ومرض السكري وأمراض القلب، ويتوقع العلماء بأن هذه الأمراض مرتبطة بفقدان بعض الميكروبات اللازمة لبقاء صحة الأمعاء. وقد أكتشف العلماء مادة مضادة لالتهابات تنتجها بعض الميكروبات يمكنها معالجة التهاب القولون والتصلب العصبي المتعدد، والتي تعتبر أمراض متعلقة بسوء تنبيه جهاز المناعة. كما بينت أبحاث أخرى بأن ميكروبات الأمعاء تفرز مادة كيماوية ترسل أوامر للخلايا التي تغطي الأمعاء، لتنظم أنتاج هرمون اللبتين وهرمون الجريلين، المسئولان عن تنظيم الإحساس بالجوع والشبع، بل هناك جراثيم في الأمعاء تساعد على زيادة البدانة، بل تؤثر على المواد الكيماوية في المخ والسلوك المرافق، كالقلق والاكتئاب. ولنا لقاء. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي