: آخر تحديث

تأمّلات في تحديث الثقافة

30
30
35
مواضيع ذات صلة

هل يصلح العمود أمس لأن يكون تمهيداً لموضوع اليوم بالسؤال: كيف يكون الأخذ من كل شيء بطرف، في زماننا؟ نحن في حاجة إلى إجراء تعديلات كثيرة على نموذج المثقف أو الأديب قبل ألف سنة. مثلاً، لن يحتاج المعنيّ إلى علم الأنساب، ليس من المعقول إضاعة سنين في النحو والصرف والبلاغة ومتونها وشروحها وحواشيها وهوامشها. لعل الخير في الذكاء الاصطناعي فينقذ العرب من هذه المخمصة. اغسل يديك من علم الفلك بطرائقه القديمة، فالفيزياء الفلكية دنيا مختلفة. أمّا التنجيم فقد بات تخصص المفترين في الفضائيات. الطبّ لم يعد من شغل الأدباء والمثقفين. الرياضيات صارت عالماً آخر.

الثقافة كلمة فضفاضة، وتلك مكامن روعتها. المثقفون لا يتشابهون إلّا في هذه المفردة، فخلفياتهم وروافدهم وميولهم ورؤاهم وإحساسهم بالجمال ونزعاتهم الفكرية، لا يمكن أن تكون متماثلة. لقد حدثت تحوّلات جوهرية في النموذج الفكري للمثقف، جرت نقلات نوعية لمكونات الإطار الفكري الذي يرى المثقف من خلاله محيطه من القريب إلى البعيد، ما تفي به المقولة: «إن الفلسفة كلها تتلخص في سؤالين: من أنا؟ وما هو محيطي؟». لن يكون في إمكان الثقافة أن تغلق النوافذ في وجه الآفاق العلمية الجديدة. نحن أمام فجر طلائع علمية تجلياتها أعجب من شطحات المتصوفين. ألم يقل ستيفن هاوكينغ: «إن فيزياء المستقبل هي الميتافيزيقا»؟ حرفيّاً ما وراء المادّة. العربية طريفة فوراء تعني خلف وقدام. انتظروا العجائب، فالفيزياء ستعيد الاعتبار إلى العرفاء الذين وُصموا قروناً بأنهم غلاة الصوفية. كيف يمكن للثقافة أن تكون بمنأى عن عوالم علمية هي أهمّ ما يجب أن يكون محور الفكر والثقافة؟ كيف يمكن أن يتقرفص الذهن أمام كتاب مثل: «كيف تصير المادّة خيالاً»، أي وعياً، الذي ألّفه عالم الأحياء الأمريكي الراحل جيرالد إيدلمان. لقد تهاوت الجدران بين العلوم والفلسفة والتصوف. ألا تختلط عليك الأمور وأنت ترى عقلك بين دفّتي كتاب الفرنسي الدكتور تييري بول ميللمان: «الموجات والطاقات الدماغية في فيزياء الكم: الخلود في عالم موازٍ لكن واقعيّ تماماً» (منشورات دار فيرون 2023). الخلود في الكلمة الفرنسية الواردة في العنوان يعني انعدام الموت بعد الموت البيولوجي. تأمل كيف تتداخل الروافد. ثمّة آراء رأت أن الكتاب يقع في دائرة ما يسمى بالعلوم الزائفة (بْسودو ساينسز)، لهم الحق في التعبير.

لزوم ما يلزم: النتيجة الثقافية: إذا كان الكتاب علماً زائفاً، فإن كل التصوف لا يقوم على أساس علمي، مع ذلك لا توجد عقيدة سماوية أو معتقد وضعيّ لا تصوّف له. الثقافة هكذا، خذ أو اطرح.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد