إيلاف من المغرب: يرتفع استهلاك المغاربة للتمور في شهر رمضان، بشكلٍ خاص، حيث أن لعادة تناول التمور بعداً دينياً، باستحضار وصايا الرسول الكريم من خلال جملة من الأحاديث الشريفة، التي تشدد على أهمية التمر وقيمته الغذائية، "وكيف أن بَيْتًا لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، أَوْ جَاعَ أَهْلُه". هذا فضلاً عن تنامي الوعي بالأهمية الغذائية للتمر، بناء على تقارير خبراء الصحة، التي تشدد على أن "التمر غذاء صحي مركز وطبيعي، يتميز بإحتوائه على العناصر الغذائية المفيدة لجسم الإنسان، خاصة المواد السكرية والأملاح المعدنية والعديد من الفيتامينات"، لذلك يستحيل أن تخلو موائد إفطار المغاربة من التمر.
وتظهر "سوق" التمور في المغرب ميل المغاربة نحو التمور المستوردة، خاصة من تونس والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر. ورغم حرص جانب كبير من المغاربة على تشجيع الإنتاج المحلي، فإن "الوازع الوطني" قليلاً ما يصمد أمام جودة التمور المستوردة، خاصةً حين يتعلق الأمر بأصناف ذات نوعية جيدة، من قبيل "الدقلة" التونسية و"السكري" السعودي و"لولو" الإماراتية، فيما يقف ارتفاع سعر "المجهول" المغربي، ذي الجودة العالية، حاجزاً أمام رغبة شرائه من طرف الغالبية الساحقة من المغاربة.
ويتراوح سعر التمور في المغرب بين 15 درهماً، أي ما يعادل دولاراً ونصف الدولار (تمور مغربية أو مصرية ذات جودة متدنية)، و200 درهم، أي ما يعادل 20 دولاراً (وهو ثمن تسويق "المجهول" المغربي)، فيما يتم تسويق تمور "دقلة" التونسية بـ40 درهماً، أي 4 دولارات، و"السكري" السعودي بـ60 درهماً، أي 6 دولارات، و"لولو" الإماراتية بـ35 درهماً، أي 3.5 دولارات.
وعليه، فإن قطاع التمور في المغرب يواجه تحديات متعددة، تشمل الإنتاج والتسويق، على حد ٍسواء. وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية، إلى أن متوسط المساحة الحالية من إنتاج التمور يعادل 48 ألف هكتار، تضم حوالى 4.8 ملايين نخلة تمر، حوالى 41 % منها منتجة. فيما تقع مناطق الإنتاج، أساساً، على طول هضبتي زيز ودرعة، بالمناطق الجنوبية الشرقية للمغرب، حيث تنتشر الواحات، التي تضم أكثر من 400 صنف من التمور. وتساهم سِّلسلة إنتاج التمور في الرّفع مِنَ الدّخل الفلاحي في حدود 60 في المائة لفائدة مليون شخص، فيما يتميز الغطاء النباتي بوجود أصناف متعددة، منها "المجهول" و"بوفقوس" و"بوزكري" و"الجيهل" و"بوسليخن"، لكن بهيمنة أنواع "الخلط"، وهي تمور غير مصنفة تحت اسم معين. ويظل "المجهول" أغلى أصناف التمور المغربية ثمناً، حيث يسوق بـ150 درهمًا في المتوسط، للكيلو غرام، ويرتفع، أحياناً، إلى 200 درهم، حسب جودته؛ وهو يمثل نسبة لا تتعدى 3 إلى 4 في المائة من إنتاج التمور في المغرب.
والجدير بالذكر هو أن الوزارة الوصية في المغرب تُراهن- ضمن استراتيجية تطوير القطاع- على توسيع المساحة عبر زرع 2.9 مليون نخلة في أفق 2020، تكون مقاومة لمرض "البيوض"، وزيادة إنتاج التمور من أجل بلوغ 185 ألف طن في أفق العام 2030، وتثمينها عبر تحسين جودتها وشروط تسويقها.
ومن بين التحديات التي يواجهها إنتاج التمور في المغرب، يظهر اختلال توازنها البيولوجي تحت وقع الأمراض، خاصة مرض "البيوض"، وتوالي سنوات الجفاف والتصحر وتأثير التغيّرات المناخية، فيما يواجه تسويقها تحديات أكبر ترتبط، أساساً، بسوء التسويق ورداءة نوعية المنتجات، في أكثر الأحيان.
فالإنتاج الوطني من التمور، يتسم بحسب عدد من التقارير، بالضعف، حيث "يناهز معدل مردودية النخلة الواحدة 20 كيلوغراماً، في حين يصل، في بلدان أخرى، منتجة إلى 100 كيلوغرام، فيما يصل الإستهلاك الداخلي إلى 160 ألف طن سنوياً، إلا أن الإنتاج الوطني لا يتجاوز 90 ألف طن، وهو ما ينتج عنه نقص يصل إلى 70 ألف طن، يتم سده بواسطة الإستيراد، من العراق وتونس والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر".
ولا شك أن تنامي الواردات يُثير قلق منتجي التمور المحليين. ويجد هذا القلق مبرراته في اختلال موازين القوى بين التمور المحلية والتمور المستوردة، التي تسندها، بحسب المتتبعين، "قوة تسويقية مهمة وجودة ملحوظة تجعل كفة المنافسة في غير صالح التمور المغربية، بعد أن صار المستهلك المحلي يميل أكثر إلى "تمور الخارج".
ويرى عدد من المختصين أن "المغرب لا يملك قوة تنافسية في سوق التمور الدولية، لأنه مسبوق من حيث الإنتاج والتطوير والبحث العلمي والتكوين في مختلف المجالات المتصلة بهذا القطاع، حيث تطغى عليه التقنيات التقليدية في الإنتاج ولا يتوفر على مسالك قوية للتوزيع، كما أنه لا توجد في المغرب وحدات كبيرة للتجميع والتبريد والتصنيع"، مع التشديد على أن "هناك حاجة لبذل جهد مضاعف من لدن المنتجين مع تدخل ودعم قويين من الدولة لاستدراك الفارق بينه وبين كبار المنتجين العالميين، حيث تطور قطاع التمر خلال السنوات العشر الأخيرة من خلال تصنيع مشتقات متعددة للتمر، كالطحين والحلوى والشكولاته والخل والعصير وغيرها، الشيء الذي رفع من قيمة التجارة العالمية للتمر".
هذا ويترقب المختصون أن يعرف قطاع التمور عبر العالم، في السنوات المقبلة "تطوير استعمالات التمور لأغراضٍ طبية، مع ظهور مواد مشتقة جديدة منها، وارتفاع الإنتاج العالمي، الذي تؤمن فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نسبة 92 في المائة".