: آخر تحديث

قنابل الكراهية المدمّرة

13
11
14
مواضيع ذات صلة

مرة أخرى، يجدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تحذيره من «خطاب خطر»، يغذي التهديدات باللجوء إلى الأسلحة النووية في العالم، في إشارة إلى تصاعد الانقسامات والتحالفات المتضادة، لكن الممثل الأممي السامي لتحالف الحضارات ميغيل أنخيل موراتينوس، كان أكثر صراحة، عندما أكد أن ما يجري من توترات صراع مصالح، سببه الجهل، وانعدام الوعي، بما يمكن أن ينجم عن هذه المسارات من عواقب.

هذا الموقف جاء في سياق منتدى «تحالف الحضارات»، الذي انعقد بمدينة فاس المغربية، وهي مناسبة تحاول فيها الأصوات العاقلة التحذير من مخاطر كبيرة، تهدد الأمن والسلام العالميين. للمرة الأولى منذ عقود، تسود رؤية سوداوية متشائمة، تراجعت معها نسبة الأمل في حياة إنسانية متسامحة وراقية، وصاحبتها حالة ازدراء عميقة للقيم السامية والمشتركات الحضارية، وزادت أيضاً نزعات التعصب والكراهية، ولا يبدو أن هذا المسار له أي أفق، فما يصدر من أغلب القوى الفاعلة على الساحة الدولية، لا يشجع على انتظار الأفضل.

من الشرق إلى الغرب، هناك توجهات نحو التطرف المدمر الذي سيكون وبالاً على العالم أجمع. ولأنها حديث الساعة، ما زالت أزمة أوكرانيا مستفحلة، ولا يراد لها أن تنتهي بأسرع وقت، فقد أصبحت حرباً عالمية مكتملة، تجري على أرضها بين روسيا والقوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وأغلب الظن أنها ما زالت في بدايتها، في ظل ما يدور من تصعيد عسكري وسياسي. فبينما تكثف موسكو ضرباتها الصاروخية على أوكرانيا، وتستعد لما هو أبعد من ذلك، تواصل القوى الغربية صب الزيت على النار، سواء بمواصلة تسليح كييف، وهو نهج، عكس ما يروج له الإعلام الغربي، لم يحقق النصر لأوكرانيا، لكنه جلب إليها دماراً لم تعرفه حتى في الحرب العالمية الثانية، أو عبر اتخاذ مواقف سياسية متطرفة، وأحدها تصويت البرلمان الأوروبي على نص يعد روسيا «دولة راعية للإرهاب»، وهذا موقف جانبته الحكمة وجافاه الصواب. وعلى الرغم من أن الحكومات الأوروبية لن تستجيب إليه، فإنه سيسهم في تعقيد الأوضاع سياسياً، ويكثف صناعة قنابل الكراهية، وربما سيؤدي إلى انقسام كبير في أوروبا، خصوصاً مع دخول الشتاء واحتدام أزمة الطاقة، وزيادة عدم اليقين في المستقبل.

صراع المصالح، الذي يحتدم في أكثر من مكان، بات يهدد قيم التعايش، ويزرع بذور الفتن والكراهية. وكأن البشرية لم تتعظ مما حدث في الحروب السابقة، ربما لأن الأجيال الحالية في أوروبا لم تعرف الحرب، كما عاشها أسلافهم ممن ذاقوا عذابات حربين عالميتين أزهقت أرواح عشرات الملايين. وكما قال موراتينوس فإن الجهل وانعدام الفهم سيؤديان إلى وضع أسوأ، إلا إذا استوعبت كل الأطراف أن هذا المسار مدمر وخطر، وأن الحل السليم يتمثل في قبول الآخر، واعتماد الحوار بين الحضارات والثقافات والقارات، وعندها فقط يمكن لهذه الصراعات أن تظل تحت السيطرة، وتصبح الخطابات المستفزة منبوذة وخارجة عن السياق. والعبرة تكمن، على الدوام، في استحضار تجارب التاريخ ودروسه، لاستلهام ما يصلح لهذا الظرف، فالحرب أساسها قهر طرف لآخر، واستضعافه حتى يثأر لنفسه، أما السلام، فجوهره المساواة والعيش المشترك ونبذ الكراهية والمواجهة الجماعية لكل التحديات المشتركة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد