: آخر تحديث

ما بين التجارة والحرب من اتصال

23
25
23
مواضيع ذات صلة

التجارة والحرب قديمتان قِدم التجمعات البشرية المنظمة الأولى. احتاج كل من هذه التجمعات إلى التجارة في أشكالها الأولى لتوفير المتطلبات الأساسية للحياة. كما اضطرت إلى الحرب دفاعاً عن النفس، أو انتقاماً بسبب انتهاك تعرض له بعض أفرادها في البداية، ثم رغبةً في التوسع بعد ذلك. كانت التجارة في مهدها محدودة ومعتمدة على المقايضة. وكانت الحرب في مهد البشرية بدائية اعتمدت على أسلحة بسيطة مستمدة من الطبيعة. لكنهما تطورتا عبر العصور حتى بلغ كل منهما أعلى مبلغ في الحداثة. ولأن في التجارة منافع ومكاسب تتجاوز الاقتصاد إلى التواصل الثقافي، بينما في الحرب خسائر وأضرار، يُثار من وقت لآخر سؤالٌ عن العلاقة بينهما، وتحديداً عما إذا كان ازدياد التبادل التجاري يمكن أن يُقلل احتمالات الحرب.
ومن الطبيعي أن تختلف الإجابات، وخاصةً في ضوء تباين التجارب وتنوعها. ففي التاريخ ما قد يُستفاد منه وجود علاقة عكسية بين ازدهار التجارة ونشوب الحرب، وما يُستدل منه على أن الحروب يمكن أن تنشب حتى إذا كانت التجارة مزدهرة.
والحال أنه ليس هناك ما يمكن أن يمنع اندلاع حرب إذا اكتملت دوافعها لدى طرفيها أو أحدهما. وغالباً ما تكون الصراعات المرتبطة بالهوية أكثر أثراً، حين تتفاقم، من أي عامل آخر بما في ذلك التجارة.
لكن ازدهار التجارة يمكن، في المقابل، أن يخلق مصالح مشتركة تُقلل احتمال نشوب حرب، وخاصةً حين تصل هذه المصالح إلى مستوى الاعتماد المتبادل، كما هو الحال الآن في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. تُمثِّل هذه العلاقات الآن، وفي المدى المنظور، نموذجاً لقوة الأثر الناتج عن ازدهار التجارة. ويتجلى ذلك في سياسة كل من طرفيها تجاه الآخر، وحرصهما المتبادل على وضع حد لتصاعد الخلافات والأزمات، وتجنب الوصول إلى حافة الهاوية. ونجد آخر تجليات هذه السياسة في الطريقة التي يدير بها كل من الطرفين الأزمةَ المترتبة على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوس إلى تايوان مطلع أغسطس الماضي. فقد وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ، سواء من حيث حجمه الذي تقترب قيمته الإجمالية من تريليون دولار، أو من زاوية ارتباطه بتوطين الصناعات والتعاون التكنولوجي. ولهذا بات من الصعب فصل الاقتصادين الصيني والأميركي عن بعضهما البعض من دون أن يتكبد كلٌّ منهما خسائرَ باهظةً قد تحول دون بقائهما في الموقعين الأول والثاني عالمياً.
ولهذا، فإذا جاز أن نستنتج قاعدةً عامة في العلاقة بين التجارة والحرب، فهي أنه كلّما ازداد التبادل التجاري اكتسب التنافس طابعاً تعاونياً إلى جانب سمته الصراعية الأساسية. وكلما وصلت المصالحُ المشتركة التي تخلقها التجارة إلى مستوى الاعتماد المتبادل، يزداد الميل إلى التعاون على حساب الاستعداد للمواجهة. ولكن كما في كل قاعدة، توجد استثناءات من هذه القاعدة بسبب تعقيدات العلاقات البشرية والتداخل بين العوامل المؤثرة فيها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد