: آخر تحديث

زيارة الرئيس.. الآمال والتطلعات

35
31
34
مواضيع ذات صلة

في التاسع من يوليو 2022م، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً للرئيس الأميركي جون بايدن تحت عنوان (لماذا أنا ذاهب إلى السعودية؟)، وقبل أن أدخل في مضمون مقالتي كمواطن سعودي فإنني أرغب أن أنقل لفخامتكم أننا في المملكة العربية السعودية بلد مضياف تجبرنا عاداتنا وقيمنا السعودية أن نرحب بضيوف بلدنا، ولعلك تعلم فخامة الرئيس أن كل سعودي مضياف بطبعه فما بالك أنك ستكون في ضيافة خادم الحرمين الشريفين، فهذه الدولة قامت على أسس تاريخية متينة في نواحٍ كثيرة، وإكرام الضيف واستقباله والحفاوة به دون تبرير أو تمييز فذاك من قيمنا الأصيلة، فكل من يأتي إلى هذا البلد مهما كان فهو في محل حفاوة وترحيب من كل فرد، لذلك أنقل لفخامتكم أنك ضيف مملكتنا وقائدها خادم الحرمين الشريفين.

فخامة الرئيس؛ أنا من جيل ولد في ذروة العلاقات الأميركية - السعودية، ومن جيل أدرك المفهوم الاستراتيجي في هذه العلاقة بين البلدين، وهذا أمر طبيعي في مراحل تاريخية محددة، ولكن العالم اليوم -ونحن جزء منه- ينتفض بطريقة مثيرة للأسئلة حول مستقبله الجيوسياسي، فالمؤشرات الدولية لا يمكنها تجاوز حقيقة أنها تعيد تشكيل الخارطة الدولية بطريقة محددة، قد لا تبدو صورتها مكتملة اليوم ولكنها قريباً جداً ستكون متاحة للجميع، فأنت يا فخامة الرئيس أشرت بوضوح في مقالك إلى هذه الصورة، وأنك ذاهب إلى منطقة الشرق الأوسط "لبدء فصل جديد واعد وأكثر مشاركة لأميركا، حيث تأتي هذه الرحلة في وقت حيوي بالنسبة للمنطقة، من أجل العمل على تعزيز المصالح الأميركية المهمة". ولقد أشرت يا فخامة الرئيس إلى أهمية وجود شرق أوسط أكثر أمناً وتكاملاً.

نحن في الشرق الأوسط ندرك ونتفهم نظرية مهمة حول أهمية منطقتنا بالنسبة للآخرين، وأميركا واحدة من الدول التي تسعى بلا شك إلى البحث عن شرق أوسط أكثر أمناً وأكثر تكاملاً بما يساهم في خدمة المصالح الأميركية ومصالح دول المنطقة، نحن في المنطقة نشعر بكل وضوح أن كلمات مثل "أهمية استراتيجية للمنطقة" يجب أن يعاد تفسيرها بشكل دقيق، وأن تكامل المصالح في المنطقة يجب أن يكون طريقاً مزدوجاً بمسارين واضحين ذهاباً وإياباً، لقد أدركنا يا فخامة الرئيس أن هذا العالم مترابط بشكل كبير جداً، فحرب في أوروبا صنعت من منطقتنا محوراً سياسياً تتسابق إليه القوى الدولية، وهذا يحتم علينا التفكير بجدية في الكيفية التي يجب أن نلعب فيها هذا الدور، خاصة أن الحقيقة المطلقة بعد نهاية الحرب الباردة تقول إن عنق زجاجة العالم لم يعد محتكراً، فهناك تنافس شديد في ذاك العنق.

فخامة الرئيس؛ كل جيلي تقريباً عاش مشاركات أميركا في حروب المنطقة، وكما قلت فخامتكم إنك تأتي إلى المنطقة بينما لا يوجد فيها أي مشاركات عسكرية حية لقوات أميركية، وهذا أمر إيجابي في الحقيقة، ولكن يا فخامة الرئيس نحن نتحدث عن تلك النتائج التي تركتها حروب المنطقة، وأدرك أن الجميع يتفهم ما أعنيه بدقة، المنطقة يا فخامة الرئيس ملتهبة من عشرات السنين وليس من اليوم، وقد يكون من المستحيل أن يتم صناعة خارطة جديدة للمنطقة بينما هيكلها وأجزاؤها لا يزال مشتعلاً ملتهباً، فالمنطقة بحاجة الى أن "تبرد سياسياً وجيوسياسياً" قبل اتخاذ أي خطوات مستقبلية، وهذا هو الوصف الدقيق -من وجهة نظري- لحاجة المنطقة قبل أن تأتي إليها وبعد ذهابك منها يا فخامة الرئيس.

وسوف أنقل لكم فخامة الرئيس بعضاً من مربعات الاشتعال التي تعاني منها المنطقة كما وردت في مقالتكم تماماً عندما قلت: "بالطبع لا تزال المنطقة مليئة بالتحديات؛ برنامج إيران النووي ودعم الجماعات التي تعمل بالوكالة، وأزمات الأمن الغذائي التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا...." وختمت بالقول: "يجب علينا معالجة كل هذه القضايا عندما ألتقي بقادة من جميع أنحاء المنطقة، سأوضح مدى أهمية إحراز تقدم في هذه المجالات".

فخامة الرئيس؛ وأنت تأتي إلى المنطقة لعلك أدركت بوضوح أنها لم تعد كما كانت في السابق، فالنضج السياسي والوعي الاستراتيجي أصبح أكثر صياغة ووضوحاً في تعبيراته، والمنطقة أصبحت أكثر إدراكاً بأنها أمام تحديات كبرى أصبحت جزءاً من واقع المنطقة، ولم تعد المنطقة بحاجة إلى أن يذكرها أحد بهذه التحديات بقدر حاجتها إلى فهم دورها الدولي، وأن المنطقة بكل دولها خاصة الخليجية أصبحت ورقة مهمة في الخارطة الدولية، ولها الحق أن تتبنى كل ما يمكنه تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة وفق معادلات سياسية ذات متغيرات متساوية تماماً وغير منحازة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد