: آخر تحديث

ماذا يريد الشباب؟

37
27
37
مواضيع ذات صلة

تسود اليوم حالة من اليأس صفوف الشباب العربي، وبغض النظر عن جغرافية المنشأ، يأس مشوب بالقلق والخوف من المستقبل. حالة دفعت «البوعزيزي» في تونس إلى إشعال النار في جسده هرباً من واقع مؤلم أصبح يُحاصره، ومعه تفجّرت براكين الغضب في صدور ملايين من الشباب العرب عِبر الخريطة، ودَفَعَت بالآلاف منهم إلى ركوب قوارب الموت لعلها تَصل بهم إلى حيث يكون للحياة معنى وطعم وللإنسان كرامة وحقوق.

ولا تُستَثنى من مثل هذه الحالة حتى الدول الثرية والمُترَفة كالكويت مثلاً. فلا يمكن أن تخلو جلسة شبابية من تذمّر واستياء ويأس ونظرة سوداوية للغد. حتى لقد أصبحت الهجرة مسألة مطروحة على نطاق مجتمعات كدول الخليج.

السؤال دائماً هو: ماذا يريد الشباب؟ وما شكل التغيير الذي يطمحون إليه؟ وهو السؤال الذي بقيت إجابته للأسف في نطاق التداول التقليدي الذي يقتصر على الشعارات والوعود الفارغة.

في حوار ضَمّني مع ابن صديقة عزيزة، وهو شاب تفوح من كلماته نسمات الرغبة الجامحة في تحقيق رغبات وأمنيات تشاركه فيها شرائح شبابية عريضة، فهو ومن معه يرون أن لا تغيير فعلياً طالما بقيت الحلول لا تتجاوز القشور في عمقها، وبأن كل المشاكل التي تواجهها الكويت اليوم بحاجة إلى معالجة جذرية، وليس مجرد وعود كلامية كما هو الحال. هؤلاء الشباب يرون ـ وهم مُحقّون - أن إصلاح مؤسسات الدولة يبدأ من إعادة النظر في مبادئ تكافؤ الفرص، ونزاهة العمل، ومعايير المواطنة، والشروط الملائمة في مهام التشريع والإدارة والاقتصاد، وبشكل يُحرّر كل هذه المؤسسات من سلطات الحرس القديم مع ما يحمل ذلك من إرث إداري وتشريعي أصبح بعيداً جداً عن طموحات الشباب الحقيقية وعن واقع الحياة المعاصر.

مطالب وطموحات الشباب اليوم أصبحت ذات سقف عالٍ جداً، وبشكل قد يصعب على جيل الأمس فهمه أو استيعابه، وهو الذي اعتاد على بطء الحركة في التغيير وصناعة القرار.. فقضايا المشاركة السياسية الفعلية، والمساواة أمام القانون، واحترام الحقوق كافة، وإعادة صياغة الأولويات بشكل عادل ومثمر، واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة على اختلافها، وبناء الفرد، ومواجهة الفساد وأدواته ورموزه، كلها قضايا مُستَحقة وتحمل أولوية لدى الشباب اليوم، ولا تخضع لأدنى قَدْر من المساومة كما كان الحال في السابق، ولعل ذلك ما دفع أغلب الشباب اليوم إلى رفض كافة الرموز السياسية التي احتلت المشهد لأكثر من ثلاثة عقود ولم تؤد دورها وفقاً للرؤية الشبابية.

نحن اليوم كجيل آباء نتعلّم من هؤلاء الشباب، ولمحة من ذلك التعلّم جاءت من ذلك الشاب الذي ورد ذكره أعلى المقال، حيث يطرح شيئاً من رؤية أقرانه فَيَصِف النظام الحكومي القائم حالياً مستخدماً مفردة جديدة دخلت من زاوية شبابية بمصطلح Ineptocracy أو القصور السياسي الديموقراطي، وهي ترمز إلى نظام حكومي يختار فيه أقل الناس قُدرة على الإنتاج أولئك الذين يقودون المشهد، بينما تتم مكافأة العاجزين عن تحقيق النجاح بالخدمات والسلع، والتي بدورها مدفوع ثمنها عن طريق الثروة المُصادَرة من قِبَل فئة ضئيلة من المنتجين. وذلك باختصار يعني أنه يوجد في منظومة الدولة أشخاص عديمو الكفاءة أو أقل كفاءة.. وهم مُنتَخَبون من قِبَل أولئك الأقل أو الأدنى إنتاجاً وعطاء.

هكذا يرى الشباب الواقع اليوم من خلال معادلات تبدو غريبة ومُندَفِعة بمعاييرنا نحن جيل الآباء، لكنها على أرض الواقع حاضرة وصلبة، تؤكّدها مشاهدات أصبحت يومية لشباب يتحرّكون ويتحدّثون ويُطالبون بلهجة ومفردات سقفها السماء.

ومما لا شك فيه أن الحكمة تقتضي الإصغاء لهذه الأصوات لا عزلها أو تجاهلها، ليس لكونها من يَملك المستقبل فقط، وإنما لأن ضريبة تجاهلها أو قمعها قد تكون فادحة.

لقد أكّدت أحداث الحراك السياسي في أكثر من عاصمة عربية أن للشباب دوراً رئيسياً بوصفه مُتَغيّراً مُستقلاً ومُحفّزاً للمشاركة السياسية. وإذا كنا في الكويت اليوم بمعزل عن مثل هذا الحراك الراديكالي، فإن استمرار تهميش دور الشباب في القيادة والإدارة قد يُفرز يوماً مواقف قد لا تقل عن ذلك في إصرارها وصرامتها وثباتها. ولعل كل من حاور أو ناقش شباب اليوم يُدرك ذلك جيداً، ويعلم أن الشاب، الذي استشهدت برأيه ورؤيته في بداية المقال، لا يقف وحيداً، بل يعكس توجّه قاعدة كبيرة لا نزال وبكل أسف نستصغرها ونتجاهل وجودها وتأثيرها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد