: آخر تحديث

أبو الحاسب الآلي

27
30
39
مواضيع ذات صلة

في اللغة العربية نتبنى مصطلح «الحاسب الآلي» ترجمة من اللغة الإنجليزية باعتبارها آلة للحساب الرياضي، الاسم الآخر للآلة التي أكتب بها الآن وربما تقرأ منها أنت كذلك، وجده الفرنسيون أقرب لدورها اليوم أكثر من دور الحساب الرياضي، فقد اختار الفرنسيون أن يطلقوا اسم المنسق (اوردينتور) معتمدين في ذلك على ملمح مهم من عمل الحاسوب لم تظهر أهميته إلا متأخراً.

كان الفلكيون يواجهون مشكلة في الأخطاء الحسابية عند استخدام الجداول الفلكية، كانت الجداول الفلكية ببساطة خريطة رقمية للسماء، الأرقام التي في الجداول سهلة إنما طويلة واستخدامها يحتاج تركيزاً ودقة ليست بمتناول الجميع كل الأوقات، كان تشارلز بابيبج -العضو المؤسس في جمعية الفلكيين- من الرياضيين الذين اهتموا بهذه المشكلة، كان حله للمشكلة هي مكننة حساب الجداول، فقد سبق مكننة مصانع النسيج في بريطانيا، فأصبح من الواضح أن الاستعانة بالآلات والاستغناء عن اليد العاملة سيؤدي إلى نتائج أفضل في كثير من المجالات، ففي مهمة كلف بها مع زميل له بتدقيق حسابات التقويم البحري الذي صدر من الجمعية الفلكية، وجد أن التقويم يحتوي أخطاء حسابية، عندها تعمقت في نفسه الحاجة إلى حاسبة آلية.

عندما شرع بابيبج في بناء آلته الحسابية أطلق عليها محرك التفاضل، كانت المحركات من كل نوع تهدر في قلب الثورة الصناعية منذ منتصف القرن التاسع عشر أو قبل ذلك بقليل، رغم أن بابيبج عمل على فكرته مدة طويلة وبتمويل من الحكومة البريطانية، إلا أن المحرك لم يتجاوز النموذج التجريبي، ولطول العمل عليه توقف التمويل، لم يستطع بابيبج إكمال مشروعه، وبدأ في فكرة محرك جديد أطلق عليه اسم المحرك التحليلي، كان المحرك التحليلي يتجاوز فكرة المحرك التفاضلي بعدة أمور، من أهمها أنه قابل للبرمجة، وينعكس هذا التطور على الاسم، فالمحرك التفاضلي مصمم لأداء عمليات حسابية محددة كما تعمل الآلة الحاسبة تماماً، أما المحرك التحليلي فهو مصمم لتنفيذ سلسلة من العمليات الحسابية وحفظها وإعادة استخدامها كما هي حاسبات اليوم.

في فترة وجيزة اختار بابيبج اسمين يقعان على طرفي خط المعنى لمفهوم الحوسبة الذي نستخدمه الآن، بين مفهوم التفاضل ومفهوم التحليل نجد مفهوم الحوسبة في المنتصف. فلماذا ارتبط اسم الحاسب بالرياضيات، بينما كان (التحليل) هو الاسم الذي اختاره بابيبج للنموذج النظري الأول، سابقاً به زمنه اسماً وفكرة؟ ونحن ندخل عالم الذكاء الاصطناعي اليوم، يبدو أن الاسم الفرنسي للحاسب الآلي أقرب لدوره في حياتنا، فالدور الحسابي يتوارى بعيداً شيئاً فشيئاً عن أنظارنا بمرور الوقت، فإن كانت العمليات الأساسية في العمق رياضية، يظل الاسم الذي اختاره أبو الحاسب الآلي لابنه المجازي الذي لم يره واقعاً هو أقرب من أوجه كثيرة لطبيعة الأجهزة التي نستخدمها اليوم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد