: آخر تحديث

كانت ألقاً في أزمنة مظلمة

40
41
43
مواضيع ذات صلة

من حق شعب الإمارات العربية المتحدة الشقيقة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على قيام دولته العربية المستقلة.من حقّه، ومعه كل شعوب الأمة العربية، أن يفاخر بالمنجزات المادية والمعنوية والرمزية المبهرة التي رافقت مسيرة الاتحاد. ولما كان الآخرون الكثيرون سيكتبون عن مسيرات التقدم الهائلة في حقول العمران والتجارة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنني سأركز على مجموعة من الإثارات المعنوية والرمزية التي أعتقد أنها لا تقل أهميتها عن تلك المنجزات المادية والتي لا تهمّ شعب الإمارات الشقيق فقط، وإنما تمثّل دروساً ومصادر تحفيز لكل شعوب الوطن العربي الكبير.

* أولاً: عندما تبين بصورة مؤكّدة أن الوجود الاستعماري الإنجليزي في إمارات الخليج العربي سينتهي في بداية سبعينات القرن الماضي، وأن الإمارات التّسع (الإمارات السبع المتصالحة + البحرين + قطر)، يجب أن تكون كياناً سياسياً واحداً، تكونت لجان لدراسة مدى توفّر الخدمات المجتمعية الضرورية في تلك الإمارات كجزء من دراسة مدى قابلية قيام ذلك الاتحاد. لقد شرّفت برئاسة لجنة لدراسة مدى توفّر الخدمات الصحية.

بدأنا بزيارة دبي التي كانت متقدمة نسبياً، محظوظة بوجود عيادة طبية أنشأتها وأدارتها الكويت، ووجود عيادة صغيرة، ومستشفى صغير متواضع، بنتهما وأدارتهما إيران. وعندما أردنا زيارة أبوظبي اضطررنا للسفر في طائرة مروحية تابعة للجيش البريطاني، إذ لم يكن هناك طريق بريّ بين دبي وأبوظبي صالح للسفر بواسطة السيارة. ولمّا وصلنا إلى أبوظبي أنزلتنا المروحية خارج قرية صغيرة مكونة من مجموعة من بيوت السعف والحجارة المتواضعة. ولكي ندخل القرية مشينا في الرمال وبين الكثبان.

اليوم، وخلال خمسين سنة فقط، أصبحت دبي وأبوظبي مدينتي ناطحات سحاب، وطرق حديثة، وحدائق باسقة، وسواحل تخلب الأنظار، ومؤسسات خدميّة عصرية وحركة مجتمعية لا تتوقف نهاراً، أو ليلاً

لنقارن ذلك بالفاجعة التالية: عبر تلك الخمسين سنة الماضية، أصبحت بعض مدن الوطن العربي، التي كانت ملء العين والبصر بجمالها العمراني التاريخي، حطاماً، وأرض يباب يسكنها الفقر والجوع والخوف، وتنعق في أرجائها الغربان.

الجانب الرمزي الدال في ذلك هو أن الاستقرار المجتمعي، والتخطيط العمراني والتنموي، والقيادة الصبورة الحازمة الحكيمة، بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والانفتاح على العصر يبنون نهضة، وهذا ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة، وفشلت فيه الكثير من أقطار الوطن العربي.

طبعاً هناك أسباب وظروف مختلفة، وهناك مؤامرات خارجية متباينة، ولكن هناك أيضاً إرادة وحكمة وجهود هائلة واستفادة من منجزات العصر الذي نعيش. هذا رمز هائل يحسب لقيادات الإمارات وشعبها.

* ثانياً: لم تنجح، مع الأسف، جهود قيام اتحاد تساعي، لكن تحقق اتحاد سباعي فيما بين إمارات الساحل المتصالح، فكان أول اتحاد كونفيدرالي – فدرالي عربي في تاريخ هذه الأمة، ومرة أخرى يحسب لشعب الإمارات وقادتها استمرار ذلك الاتحاد وترسُّخه في الواقع العربي، بينما فشلت من قبله، ومن بعده، العديد من محاولات الاتحادات العربية في مشرق الوطن العربي، وفي غربه.

هذا نجاح إماراتي رمزي بالغ الأهمية يقول بالفم الملآن، إن العرب يستطيعون الاتحاد فيما بين أجزائهم، وإن الادعاءات التي تقول إن هذه أمة قبائل وبداوة لا تملك فكر وسلوك وإدارة التوحّد، أياً كان نوعه، هو ادعاء باطل، وأكذوبة خبيثة نقضها نهائياً قيام دولة اتحاد الإمارات. هنا نجح صبر وحكمة وتضامن وتضحيات قادة الإمارات السَّبع، وشعب الإمارات العروبي الوحدوي، وفشلت في أمكنة أخرى صراعات الإخوة الأعداء، وعبثيات مغامرات المراهقين، وصنوف التجاذبات الطائفية، والمناطقية، واللغوية.

* ثالثاً: من حق الإمارات أن تفاخر بأن إمارة متجلية من إماراتها، إمارة الشارقة، قد أصبحت، بفضل قيادة ملتزمة بهويتها العروبية وبثقافة أمتها العربية الإسلامية، أحد مراكز النشاطات العربية الثقافية المشتركة الواحدة، ومع جارتها إمارة دبي أحد المحافظين بإصرار على لغة الضاد في عصر أشكال من الردَّات الثقافية واللغوية. هذا إنجاز معنوي ورمزي وحضاري بالغ الأهمية في ترسيخ الفكر القومي الوحدوي الذي يسعى لتوحيد الوطن العربي كله مستقبلاً.

* رابعاً: لم تكن مسيرة ذلك الاتحاد يسيرة، بل واجهت في سنواتها الأولى الأهوال التي كادت أن تعصف بالتجربة كلها.

لكن يجب أن يحسب لرئيس الاتحاد الأول المغفور له الشيخ زايد، الذي قاد الاتحاد بإيمان عروبي شديد، وبعزيمة عبّر عنها في تصريح شهير له بأنه لا يريد أن يكون رئيساً صورياً للمفاخرة، وأنه «يجب أن تكون رئاسة الاتحاد فعلية، تستطيع أن تكون قوة ضاغطة فعَّالة عند اللزوم تحفظ الصّرح الاتحادي من الاهتزاز، ولتكريس مفاهيم وأبعاد الاتحاد على جميع القوى المنتمية إليه».

وأضاف تصريحاً يجب أن يذهب مثلاً بين الأجيال، قائلاً: «أما فيما عدا ذلك فلست على استعداد لأن أكون صاحب رئاسة لا تملك سوى ريشة الطاووس».

لقد حضرت، كعضو في وفد البحرين، كل اجتماعات حكام الإمارات لقيام الاتحاد التساعي، وأستطيع أن أشهد بموضوعية، أن المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، كان من أكثر المتحمسين لقيام الاتحاد التساعي، وأن فجيعته كانت كبيرة عندما فشل قيام ذلك الاتحاد. إنه دليل على أن المشاعر الوحدوية العروبية في إمارة أبوظبي التي كانت تكوّن نحو ثمانين في المئة من مساحة الاتحاد، وأربعين في المئة من عدد سكانه، وتسعين في المئه من ثروته، كانت قوية، وأن الشيخ زايد عبّر عنها خير تعبير واستفاد منها عند قيادته الاتحاد.

إذا توفرت الإرادة الشعبية، والحكمة القيادية، والثقافة السياسية الوطنية العروبية التي كانت جريدة «الخليج» الإماراتية أحد أبرز حامليها والمدافعين عنها، فإن مفهوم الوحدة في أرض العرب قابل للحياة. وهذا ما يجب أن يكون درساً لكل العاملين لقيام وحدة أمة العرب، ووطن العرب الكبير، بالرغم من بعض الردّات، والشكوك البليدة التي عبّر عنها البعض من المتعبين عن السير في هذا الطريق الوحدوي المبارك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد