: آخر تحديث

الأسئلة المُبهمة في العلاقات الدولية

51
49
50
مواضيع ذات صلة

سحبني تفجير البرجين في 11/9/2001 منذ عشرين عاماً، مع طلاّبي الجامعيين في الإعلام السياسي، إلى الغوص عاماً دراسياً كاملاً ومشوّقاً كانت منطلقاته الأولى التوصّل إلى وضع مئة سؤال تمّت مناقشتها ومحاولة الإجابة عنها لمقاربة هذا الحدث الضخم الدولي الذي هزّ الدنيا، وزلزل مفاهيم العظمة الدولية والتاريخية.

أستعيد هذا وفي الذهن آلاف الصور والأسئلة التي جمّدت العيون والانتباه العالميين، وأبقتها وستبقيها حافلة بعلامات الاستفهام في التفجير أوّلاً، وفي قيامة الولايات المتّحدة العسكرية على الإرهاب في أفغانستان، ثمّ الانسحاب الأمريكي الذي يراكم الكتابات والتعليقات والأفلام وألوف الأسئلة في التغيير والتحرير المتشابكة والمتناقضة التي تشغل رأس الدنيا، خصوصاً البلاد الإسلامية والمسلمين في العالم.

لا مكان لهذه الأسئلة المئة التي شكّلت بمناقشاتها وأبحاثها مخطوطاً جامعياً حمل غلافه صورة البرجين وتحتها عنوان بالخط الأحمر العريض «صورة القرون القادمة والأسئلة المبهمة في العلاقات الدولية».

لا قيمة كبيرة للأجوبة لأنّها تفرّخ الكثير من الأسئلة، وتضيع أو تتعطّل بوصلات التفكير والتوجّهات، لكن عندما سئل الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، مثلاً، عن شعوره بما حدث مباشرة بعد التفجير، أجاب، وكان في زيارة صباحية لمدرسة: «في التاسعة صباحاً، كنت جالساً في الخارج، ومستعداً لدخول قاعة الدروس في فلوريدا، ورأيت على التلفزيون الطائرة الأولى وهي تصطدم بالمبنى. وقتها قلت في نفسي: يا له من حادث رهيب. حسناً لدينا طيار واحد فظيع».

يومها استغرب العالم ردة فعل بوش الشاحبة اللامبالية، واعتُبرت ملامحه وحتّى جوابه من المشاهد المحيّرة الأكثر ملامة الذي فاض بالأسئلة الكثيرة التي استغرقت فيها الصحافة والرأي العام العالمي إلى درجة الظنّ أو التكهّن بالتورط الدولي العظيم في التفجير الأعظم، خصوصاً أن الرئيس كرّر جوابه وبصيغ متقاربة وفي أكثر من مناسبة. لربّما هكذا تكون ردود فعل رؤساء الدول عندما يشعرون حيال حدث أو سقطة ما تُفاجئهم ولم يكونوا يحيطون أو يعلمون بها، بأن بساطاً ما قد تمّ سحبه من تحت أرجلهم، والتاريخ مملوء بأمور من هذا النوع في تنازع السلطات في معظم دول العالم الديمقراطي، أو غير الديمقراطي صغيرة أكانت أم كبيرة وعُظمى.

كانت تقفز الأسئلة الكثيرة هناك، ومنها مثلاً: كيف تمكن الرئيس من رؤية هذا الحدث مع أن الفيديو الوحيد الذي اُلتقِط وقتها كان من كاميرا فيديو عادية، كما أن هذا الشريط بُثّ لأول مرة بعد مرور 15 ساعة تقريباً على التفجير، وحتّى عندما سُئل عن الكيفية التي رأى فيها اصطدام الطائرة الأولى ببرج التجارة الأول، أجاب عنه الناطق باسم البيت الأبيض: «الرئيس التبس عليه الأمر وخانته الذاكرة». وبعد خمسة أيّام على التفجير قال الرئيس الأمريكي: «لا أحد كان بإمكانه أن يتخيّل أن الانتحاريين المقيمين في مجتمعنا سيُحلّقون بطائراتهم ويفجّرونها في أبنية مملوءة بالناس الأبرياء ولا يشعرون بالندم، لم أكن أتخيل أبداً أنه كان يمكن مهاجمتنا بهذه الطريقة».

وكانت كوندوليزا رايس آنذاك مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية، سبّاقة بالتعليق على محطّة إل سي.بي.إس بقولها: «لا أعتقد أن أي شخص كان بإمكانه التكهّن، أو التنبؤ بحدوث مثل ذلك، يستخدمون الطائرة المختطفة كصاروخ»، حتى أن رئيس القوات الجوية الجنرال ريتشارد مايرز رفض جازماً الاعتراف ب«الحدث الذي يتجاوز تفكيرنا».

لنعترف بأن السؤال التاريخي: من وراء تفجير البرجين؟ قد وجد أجوبته المتنوعة في الأماكن والأحداث، إذ كان، وربما لا يزال، ولم، ولن تُفضي إجاباته المتلونة والمتحيّرة سوى إلى أزمنة أو قرون جديدة متنامية ومستمرة في الحروب على الإرهاب.

وعلى الرغم من أن التفجير قد حصل في أمريكا، وتعدّدت الكتابات والسياسات بشأنه، ولكنه أصاب الإسلام في أفغانستان، وكذلك العرب في بلاد الشام، خصوصاً في العراق، ودار دورة لم تتلاش بسهولة شملت كل الدول التي غطست في ما سُمّي ب«الربيع العربي»، وانعكس هذا الانقسام والإرهاب التكفيري الذي فاق التصوّر على المجتمعات الإسلامية الأخرى التي وجدت نفسها مقيمة في قلب هذه الصراعات. ولم يتردّد الكثير من المسلمين في العالم وهم تحت العين العالمية، تعويضاً عمّا هم فيه من ضياع وقلق وتحديات، من إضمار الشرّ بمناخات «الجهاد» وإشعال اليقظات الدينية المكبوتة كلّها بحثاً عن هويّة جديدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد