: آخر تحديث

أربعون عاماً من الوفاء

24
33
31

أيقنت أن الذكريات لا تترمل.. تولد من جديد، بل تتجدد حين يشيع الوفاء لها وبينها، فالصدق يسمو مع الإخلاص لصداقات جميلة، خصوصاً تلك التي تنقطع فجأة بفعل الزمن وتعود بمشيئة القدر.
قبل أيام قليلة، ومن دون مقدمات، تمكنت من العودة إلى أكثر من أربعين عاماً إلى الوراء، بحثاً عن ذكريات فقدت الاتصال معها، لكنها ظلت شامخة في الذاكرة.. يكابدها القلب.. لأنها جميلة بشكلها ومحتواها.

أربعون عاماً مضت وحالت الظروف دون التواصل مع أصدقاء بمنزلة الأخوة.. أصدقاء الغربة وزملاء الدراسة في السبعينات في ولاية أميركية لها ما يميزها دينياً عن باقي الولايات الأخرى.

ولاية «يوتا» UTAH، المعروفة بمعقل معتنقي ديانة «المورمون» Mormon، التي استقر عليها قراري بالدراسة الجامعية، وكان حينها قلة من الطلبة العرب، وتحديداً الخليجيين الذين اعتصموا مع بعض في مواجهة صقيع الشتاء والثلوج ولوعة فراق الأهل.

بعد رحلة شبيهة بالعمل الاستخباراتي، تمكنت من الوصول إلى أحد أعضاء فريق الأوفياء.. زملاء الدراسة، وهي مواطنة إيرانية الأصل وأميركية الجنسية.. الصديقة «فارزنه»، الملقبة سعودياً بفرح، حيث فوجئت بنزوحها إلى كالفورنيا، دون مقدمات للقرار منذ أيام الدارسة.

بعد حديث هاتفي مطول وفرحة لا توصف تقاسمناها، تمكنت من معرفة تفاصيل من افتقدتهم بعد التخرج قبل الجميع بسنوات بحكم العمر وسنوات الدراسة التي سبقتهم فيها، وهما الشقيقتان السعوديتان بسمة ومنصورة الفتيحي، وهما من شموع جدة.

جرى الاتصال بعد أقل من 24 ساعة مع كل من بسمة ومنصورة، ووجدت ثمة تغييراً في حياة الأخت بسمة، فيما حافظت الشقية منصورة ابنة السادسة عشرة عاماً حينذاك على جنوحها الفطري بالحديث والابتسامة والتعليق الفوري والفضول الخجول نسبياً!

لا أخفي أن استحضار الذكريات كان العامل المشترك بيننا.. وكذلك استدعاء للضحكات على رحلاتنا وجمعتنا الطلابية ومواقف شتى نافس بعضها بعضاً بالطرافة والطيبة والإخلاص والود الأخوي.

استخلصت من الحديث أنني لم أتغيّر بتفكيري ورأيي الصادم أحياناً، وكذا الحال لأختي الصغيرة منصورة، فقد حملت شقاوة السبعينات إلى 2021 مع تغيير نسبي بسبب ظروف الحياة بعد اقترانها من أحد أفراد أسرة سعودية كريمة ورزقها الله بمولودين.

لم ينج عقلي من عواصف الذكريات والابتسامات والسباق نحو لم شمل المحفوظات الذهنية.. استحضار وعودة قاسية على من شاخ عقله بالتقادم العمري.. لكنني استحوذت على معظمها حتى باتت شريطاً مصوراً واضحاً وحاضراً وجدانياً ودماغياً.

يتوهم البعض أن الذكريات تتمزق مع الزمن.. إنه الوهم الجارف، لأن الذكريات الجميلة لا تترمل ولا الصداقات البريئة، التي يواجهها الزمن بالوفاء من كافة الأطراف السعودية والإيرانية والكويتية.

توأم الروح الأخ العزيز شبيب الفضلي كان محوراً مهماً في الحوار والسؤال، لأن فريق الدراسة يعلم بعمق العلاقة التي جمعتني مع أخي شبيب، والتي ما زالت قائمة لله الحمد، ولم تحتضر وتلفظ أنفاسها كباقي العلاقات الطارئة.

أربعون عاماً من الانقطاع احتضنها الوفاء عند الجميع، وحافظت عليها ضمائر نقية وظل الحنين للذكريات عنوان الشراكة الإنسانية، الذي توج اليوم باتفاقٍ وعهد جديد سيستحيل على رياح النسيان قطع أوصاله وطيها.

للجميع.. أقول شكراً بحجم السماء.. متطلعاً إلى جمعة أسرية في الكويت والسعودية أيضاً.

«للمحبة حدود وحبي لك سما والسما لو تعرف أبعاد وحدود

ما جريت في دمي وعروقي كما تسبح الأفلاك في عرض الوجود

تدري عندي وشهو مفهوم الظما غيبتك أحيان ولو منت ب جحود

يا غمام كل ما مرّ وهمى تنتهي جروحي وتهتزّ الورود

قل لعينك هاللي تذبح بالوما هاللي بين الداعج وبين الرقود

إن قلبي من غلاتك ربما لو يجود بصاحبه بك ما يجود

ولا قلبي شاف من بعد العمى كن كل حب مضى ماله وجود

لك في صدري حب راقي مثلما للنسيم اللي على روضك ينود

وإن سألني الحاسد أحبك لما قلت خذ عيني وشوفه يالحسود

العيون تحب وتنحب إنما أنت عندي غير عن كل الوجود

لو تحبني موت أنا أحبك سما واحسب أنت طولها وعرض الحدود».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد