: آخر تحديث

اليُتم الكويتي

44
51
57
مواضيع ذات صلة

أستدعي جزءاً من مقال سابق حول المصالحة الوطنية، لعوامل عديدة مهمة للغاية، وفي مقدمتها دعم العهد السياسي الجديد، وبمناسبة رفض مجلس الأمة للعفو الشامل، مؤخراً، لمناقشة أهمية تقسيم هذا العفو إلى مراحل وشرائح، لعل ذلك يمهد إلى انفراج سياسي واجتماعي.

إننا أمام مرحلة تستوجب الاستشعار في طبيعة التحديات السياسية والاجتماعية من قبل كل الأطراف المعنية، لا سيما الطرف الحكومي قبل الطرف النيابي، الداعي إلى العفو الشامل أو الخاص، فمن الضروري معالجة ما نشهد من تحديات بطرق سلمية بهدف القضاء على الاحتقان السياسي وحالة اليُتم الاجتماعي، اللذين تئن منهما أسر كويتية، نتيجة أحكام أودت بالكثير إلى غياهب السجن والمنفى القسري خارج الكويت.

ينبغي أن تكون الغاية الوطنية المشتركة في تحقيق توافق حقيقي وفهم عميق لما تواجهه الكويت، وشعبها أيضا، من شروخ سياسية في جدار الوطن، إذ إننا بحاجة ملحة إلى تقريب وجهات النظر وردم هوة الخلاف والاختلاف بين أطراف الخصام السياسي، ومن دون ذلك ستمضي الكويت في دهاليز مظلمة، وقد يتحول بالتالي الملف المحلي المعقد سياسيا إلى شأن دولي على صعيد الحريات وسجناء الرأي السياسي.

لعل المرحلة الأولى من المصالحة الوطنية يمكن رسمها عبر نظرة أبوية حانية في صياغة القرار السياسي بهدف بلورة الحل لمجاميع من الشباب، سواء من يؤويهم السجن أو من اختاروا أحضان منظمات دولية ومنفى اختياريا.

إن بقاء شريحة كبيرة من الشباب الكويتي، وهم معظمهم من مغردين وأصحاب رأي، في السجن أو في المنفى الاختياري، سيجعلنا أمام جبهة عدائية في انتماءاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية، وقاسية بشراستها السياسية، وهي من دماء كويتية أساسا وتستحق إنقاذها من مستقبل حالك وهالك قد يدفعها نحو هاوية الجريمة والشتات الاجتماعي، فيما يستقر اليُتم الكويتي في وسط الضمير البشري.

ليس ثمة مستقبل واعد يمكن أن ينتظر شباب وشابات في تعويض سنوات التعليم والحرمان المهني والحقوق الدستورية، وهم جميعا في شتات حول العالم وتحت وطأة الغربة والعزلة، اجتماعيا وسياسيا.

ولعل لو نُشرت إحصائية رسمية بعدد وأعمار من هم في السجن ومن اختاروا المنفى، سيدعم بلا ريب أهمية تقسيم العفو الشامل إلى شرائح، وصولاً إلى الاتفاق والتوافق السياسي الحتمي، لطي فصول لحياة يتامى المصير غير الإلهي والمستقبل المجهول.

عاش الكويتيون، تاريخيا، نضالا سياسيا، كان له ثمن اجتماعي شديد وأسري مضن، ولكن لم يثن ذلك تلك الشخصيات ممن نذرت نفسها وحياتها آنذاك لما تنعم فيه الكويت اليوم من مكتسبات دستورية.

وعلى الرغم من عتمة تاريخ الدولة على المستوى الرسمي، والاجتزاء لهذه الحقبة، من دون استثناء ما يتعلق ببعض أفراد الأسرة الحاكمة أثناء حقبات تاريخية، فإن هذا التاريخ وأحداثه حاضرة في وجدان وذاكرة أهل الكويت والمؤرخين أيضا.

عاشت الكويت اليُتم الاجتماعي حينذاك، ولكن انفرجت إلى حد ما مجمل الظروف، بعد صدور العفو من السجن لعدد من الشخصيات، وأيضا تلبية البعض الآخر العودة إلى أرض الوطن، بعد هجرة مؤقتة احتجاجا على أوضاع سياسية استثنائية جدا، نأيا، وليس هروبا، بالنفس من عقوبة غير مبررة سياسيا ولا قانونا.

فمثلما عُولجت في ذاك الزمان تلك التعقيدات، فمن اليُسر التعامل مع التحديات الحديثة المنشأ بحكمة سياسية لإسدال الستار على فصل من اليُتم الأسري والسياسي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد