: آخر تحديث

المعنى الثقافي للإصلاح الاقتصادي

59
64
59
مواضيع ذات صلة

خلال شهر يناير الجاري، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عن حدثين اقتصاديين مهمين: مدينة «ذا لاين»، و»استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للأعوام 2021-2025».

من دون عباءة، أو لباس بروتكولي رسمي، وقف الأمير محمد بن سلمان على المنصة، ليعلن عن المدينة الصديقة للبيئة، التي لا تعادي الطبيعة، وتخدم قاطنيها، دون أن تزيد من مستويات التلوث أو الاحتباس الحراري.

ذات الشيء، حصل أثناء الإعلان عن الاستراتيجية الجديدة لـ»صندوق الاستثمارات العامة»، كان ولي العهد السعودي جالساً على الطاولة مع فريق عمله، يشرح بالأرقام خطته ويقدمها إلى شعبه.

هذا الحضور، المباشر، دون تعقيدات شكلانية، ليس بالأمر الاعتباطي، بل هو يحمل رسالة، بأن القائد هو جزء من الشعب، هو واحدٌ من هؤلاء الشباب الذين يريدون أن يدفعوا بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، ويسعون إلى بناء اقتصاد متنوع، دون أن يعنيهم الاستغراق في الروتين والمظاهر التي تستهلك الفكر والروح والمال.

بناء «صورة ملهمة»، هو أمرٌ في غاية الأهمية، لأنه يشكل دافعاً للجيل الجديد، ومحركاً نفسياً وذهنياً، يستشعر فيه الشباب أن القائد هو جزء من الفريق، يعمل معه، وبه، وبينه، وليس بعيداً منه، أو بينهم وبينه مسافات وحواجز.

المحلل المالي الصديق مازن السديري، وفي حديث لي معه بعد اعلان الاستراتيجية الجديدة لـ»صندوق الاستثمارات العامة»، دار النقاش معه عن معنى «رؤية 2030»، و»الإصلاح الاقتصادي» الحاصل في المملكة، وهي برأي السديري الذي أتفق معه، عملية ذات بعدين رئيسين: ثقافي واجتماعي، لأن الثقافة هي التي تصنع الإنسان، وتغير من سلوكه وعاداته الاجتماعية، وبالتالي طريقة تفكيره، وأنماط إنتاجه، وبناء على الوعي الجديد الذي يتشكل، يساهم الإنسان في بناء الاقتصاد، وابتكار أنماط جديدة، سواء على صعيد الصناعة، أو تنمية رأس المال، أو تنويع مصادر الدخل، أي أن الإنسان هو الذي سيبني الاقتصاد، الذي هو نتيجة لتغير مفاهيمي حقيقي، تسعى «رؤية 2030» إلى إحداثه وجعله حقيقة واقعة بين الناس.

بالتأكيد هي عملية تبادلية، جدلية، تتصف بالتأثير المتداخل، لأن الاقتصاد سيصنع عاداته الاجتماعية، ويغير حتى في الثقافة.

بهذا المعنى، فإن إعلان مدينة «ذا لاين»، والاستراتيجية الجديدة لـ»صندوق الاستثمارات العامة»، هي حدث مفاهيمي في صميمه، يتقاطع مع رؤيتنا للحياة من حولنا، ونظرتنا إلى طبيعة الدولة التي يُراد بناؤها، والنماذج التي يسعى لأن تقدم إلى العالم.

قد لا ينتبه كُثر لأهمية هذا الدور الذي تمارسه «الرؤية»، بوصفها رافعة لـ»التنوير»، وليست مجرد خطط لتحفيز الاقتصاد أو زيادة دخل الفرد في المجتمع.

من هنا، ما يجري في السعودية من عملية إصلاح وتطوير، يجب ألا يكون المجتمع على هامشها، ويجلس الناس متفرجين أو منتظرين النتائج، بل عليهم الانخراط فيها، وأن يكونوا في لُبها، ويساهموا بشكل أساسي في تنفيذها بمهنية وعلمية، لأن التغيير سيطالُ الجميع، ولن يستثني أحداً!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد