: آخر تحديث

نحو استثمار القيادات العربية في إدارة بايدن ولدى الصين وروسيا

53
57
56
مواضيع ذات صلة

بدأت مساهمة معظم القيادات العالمية بالسعي إلى التأثير في سياسات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بصورة براغماتية، هدفها التموضع - أو التسابق - مع الدولة العظمى الوحيدة في العالم التي تمر في مرحلة مصيرية لها وللعالم. 

الأولوية الأميركية محليّة وداخلية، واقتصادية، وذات تركيز كبير على وباء كوفيد-19 كما على الانقسام العميق داخل البُنية الأميركية، تليها العودة الى المؤسسات الدولية والى بعضٍ من ملامح التقليدية traditional واسترجاع النَفَس والحياة الطبيعية natural ما بعد مرحلة الإرهاق التي رافقت رئاسة الرئيس الأسبق دونالد ترامب. لكن المؤسسة الحاكمة establishment في الولايات المتحدة الأميركية لن تكون في سباتٍ، بل إن اللاعبين الجُدد فيها أمام تحدّيات كبيرة وهم يحاولون اقتحام العقيدة doctrine التي يتم صنعها في إطار إعادة تعريف المصلحة القومية الأميركية العليا. 

الصين ستبقى في الطليعة الآسيوية، تليها روسيا والهند وكوريا الشمالية، ثم الجيرة في المكسيك وكندا والعلاقات مع حلفاء شمال الأطلسي (الناتو) وأميركا اللاتينية وغيرها من بُقَع العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط من بابيّ إسرائيل وإيران بالدرجة الأولى. القيادات العربية لا سيّما في الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تبدو عازمة على أسلوب التأقلم، والتسوية، ونزع الفتيل de-escalation والصراحة في التوقعات من الشراكة الاستراتيجية التحالفية مع الولايات المتحدة الأميركية. القيادات العربية الأخرى، في معظمها، ما زالت مُبعثرة ومشرذمة، جزءٌ منها يرضخ لأجندة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مهما كلَّفت بلادها، في لبنان وسوريا مثلاً. لذلك فإن مساهماتها إما تخريبية أو انطوائية بقدر ما تأمر به القيادات الإيرانية - من مرشد الجمهورية الى "الحرس الثوري" - باستخدامٍ مدروس للقيادات المدنية التي أثبتت انها خاضعة تماماً أو فاشلة كليّاً في إعادة إيران الى الحضارة والتعافي والالتحاق بالعصرنة واحترام حقوق وتطلّعات شعبها العريق. فأين تقع هموم المنطقة العربية في مشهد السياسات الخارجية للرئيس جو بايدن وفريقه؟ وكيف يمكن التفكير "خارج الصندوق" في إطار التوقعات العربية من تصنيف أولوياتها أميركياً؟

للصراحة، ومهما رَغب وسعى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن يكون لحقوق الفلسطينيين اندفاع في إدارة بايدن لوقف استنزاف هذه الحقوق والمضي الى حل الدولتين بعدلٍ، فإن إدارة بايدن لن تضع فلسطين في طليعة اهتماماتها. لن تُعيّن مبعوثاً خاصاً يقوم بديبلوماسية جديدة ولن تُكلّف وزير الخارجية انتوني بلينكن لأن يقوم برحلات مكوكيّة كما سبق وفعل سلفه جون كيري في إدارة باراك أوباما، بلا فائدة.

فريق بايدن ينوي البناء على ما يعتبره إنجازات مفيدة لفريق ترامب حققها صهره جاريد كوشنير وقد يفكّر في تعيين "كوشنره" للمتابعة في تنفيذ ما سُميَّ بـ"صفقة القرن". انتوني بلينكن أوضح أمام مجلس الشيوخ أن الاستراتيجية هي الاستمرارية في نهج "اتفاقيات ابراهام"، الحفاظ على موقع السفارة الأميركية في القدس كعاصمة لإسرائيل، "ضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية مع إعطاء الفلسطينيين دولة يحق لهم بها، هو عبر حل الدولتين". لكنه أضاف: "واقعياً أعتقد انه سيكون من الصعب تحقيق أي شيء على هذا الصعيد في المدى القصير".

أثناء الحلقة المستديرة الأولى للسنة 2021 لقمة "بيروت انستيتيوت" في أبو ظبي هذا الأسبوع (https://youtu.be/Gq3ghJyCxUQ) طلب أحمد أبو الغيط من إدارة بايدن "أن تساعد المنطقة على عدم إعادة ارتكاب أخطاء الإدارتين السابقتين - إدارة ترامب أو إدارة أوباما"، وقال إننا "نأمل من هذه الإدارة بأن تُركّز على القضية الفلسطينية والتي هي لب مشاكل الشرق الأوسط". طالب بالعودة عن قرارات إدارة ترامب، وإلغاء بعضها، وإقامة العلاقات مع الفلسطينيين "من أجل إحياء عملية حقيقية صادقة" للسلام في الشرق الأوسط. انها أولوية جامعة الدول العربية.

ما يقتضيه الأمر هو الواقعية - البراغماتية وضرورة التحدّث بكل صراحة وصدق مع القيادات الفلسطينية المُنقسِمة على بعضها، الموالية لأقطاب متضاربة مثل ولاء "حماس" لتركيا وإيران، وتلك "الحردانة" في صومعتها رافضة الانخراط وكأننا ما زلنا في السبعينات من القرن الماضي. حان لهذه القيادات أن تتوجه الى طاولة إعادة رسم الاستراتيجيات من أجل الشعب الفلسطيني بدلاً من تقديمه مُستَغلاً ومُستَنزَفاً كورقة رخيصة تخدم غايات إيران وتركيا. فتفضّلوا يا سادة الماضي وتقدّموا الى إدارة بايدن بسياسات policy options تؤدون أنتم فيها أدواركم بدلاً من الاستمرار في انقساماتكم وفي رفض السماح لدمٍ جديد في صنع المستقبل الفلسطيني.

أنتوني بلينكن أوضح أمراً آخر يقتضي التوقف عنده لما له من مؤشرات مهمّة على مستقبل العلاقات الأميركية - الإيرانية. كان واضحاً، عند قراءة مواقفه، انه مع فريق بايدن في وزارة الخارجية وفي مجلس الأمن القومي، أن هذا الفريق استمع الى النصائح وتراجع قليلاً عن الاندفاع بهرولة الى أسلوب الخطوتين مع إيران: إحياء الاتفاق النووي JCPOA مع رفع العقوبات كخطوة أولى، ثم التفاوض لاحقاً على مسألتيّ الصواريخ والسلوك الإقليمي كخطوة ثانية. هناك الآن مؤشرات على احتمال الأخذ بالنصائح الداعية الى عدم التفريط بما حقّقه دونالد ترامب في لجم إيران، بل البناء عليه كقاعدة ضرورية لإصلاح أنماط السلوك الإيراني - الصاروخي الباليستي والدقيق والسلوك الإقليمي منه في نشاطات إيران "المزعزعة" في المنطقة، بحسب تعبير بلينكن. فهو أكّد اأن العودة الى الاتفاق النووي مشروطة بوفاء إيران التزاماتها مُعتَرِفاً بأن هذه الشروط "غير متوافرة حالياً".

الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف تناول المسألة الإيرانية في إطار علاقات دول مجلس التعاون مع إدارة بايدن أثناء مشاركته في الدائرة المستديرة الافتراضية مع أحمد أبو الغيط، ومع جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الى التحالف الدولي ضد "داعش" وممثل واشنطن لشؤون سوريا، والتي قمتُ باستضافتها هذا الأربعاء. طرح الحجرف السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار وللمصالح العالمية في منطقة الخليج والشرق الأوسط والممتدة من اليمن الى العراق الى سوريا الى لبنان وصولاً الى أمن السعودية وأمن الطاقة والملاحة في مضيق هرمز، واعترف أن القلق جدّي جدّاً من مغامرات عسكرية إيرانية آتية تتنافى مع التزام دول الخليج سياسة "نزع الفتيل" de-escalation.

رسالته الرئيسية الى إدارة بايدن انطوت على التالي: أولاً، "جميعنا لنا الحق الشرعي بأن نضع همومنا ومصالحنا الجماعية على الطاولة إذا عُقِدَت أية إعادة للمفاوضات على الصفقة" النووية مع إيران. ثانياً، "نحتاج الى بيئة مستقرة" من أجل التركيز على خطط التنمية وتنويع الاقتصاد والتركيز على الجيل الجديد. ثالثاً، "إننا من دُعاة الحوار البنّاء، وقد نختلف أو نتفق على بعض العناصر، إلاّ أننا نعرف هذه المنطقة أفضل من أي طرف آخر". رابعاً، سلوك إيران "مزعزع لدول المنطقة من البحرين الى العراق الى لبنان فاليمن القريب من قلبنا الى سوريا، بأدلّة. ولذلك لا يمكن لنا ان نلتزم الصمت". خامساً، إن الإدارة الجديدة لن تريد نسف الاستقرار الذي سيؤثر في مسائل "الطاقة وينسف استقرار الإصلاح الاقتصادي في المنطقة ويؤدي الى تصعيد التوتر بسبب السلوك الإيراني. نحن أوضحنا ذلك لـ"الإدارة" ولديهم كل الأدلة على من يريد العمل معها من أجل أجندة مشتركة وزواج أفضل بيننا".

"بغض النظر عن القدر الذي تعرفونه عن المنطقة"، أضاف الحجرف، متوجهاً الى إدارة بايدن، "نحن نعرف أكثر ونحن شريك موضع ثقة" ذلك أن "لنا معكم علاقة استراتيجية" و"نحن سنكون في غاية النزاهة عندما نقدّم اليكم نصائحنا". أما في ما يخص العلاقات مع الصين وروسيا، لا سيّما على ضوء علاقاتهما التحالفية مع إيران، فـ"لكلاهما علاقات جيدة مع دول مجلس التعاون، وكل منهما دولة قويّة جداً" والمسألة مسألة "التوازن في العلاقات".

"إدارة بايدن ستستمع الى المنطقة"، قال جيمس جفري، "وستتطلّع الى أهل المنطقة لشرح أمرٍ، أمرين، أو ثلاثة ولجهة لماذا هذه المنطقة مهمة للأميركيين... ماذا تفعل المنطقة للتعاطي مع مشاكلها بنفسها... وماذا تريد من الولايات المتحدة أن تفعل؟". وأضاف أن "هناك حدوداً لقدرة هذه الإدارة على القيام به، كما كانت هناك حدود للإدارة السابقة".

إنما في شأن سوريا، مثلاً، أضاف جفري، أن إدارة بايدن ستكون يقِظَة الى الأبعاد هناك الممتدة من والى لبنان بشراكة بين قيادات "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني والرئيس السوري بشار الأسد، وبرعاية روسية وأجندة تركية. قال إن سوريا باقية في "مستنقع" وإن البلد ليس تحت "سيطرة" الأسد، "فهو لم ينتصر، وهو لن ينتصر". وأضاف: "وهذه الإدارة لن تسمح للأسد أن يستعيد كامل البلاد لينصب هناك وصاية روسية - إيرانية. فأنا لا أرى أي مجالٍ لذلك".

أحمد أبو الغيط حذّر ليس فقط من الأجندة الإيرانية وإنما أيضاً من الأجندة التركية العسكرية في سوريا وليبيا والعراق وغيرها من الجغرافيا العربية ومنطقة البحر المتوسط وأوروبا. وقال إن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان صاحب مشروع "الإخوان المسلمين" الذين "يعيشون في تركيا وتموّلهم تركيا". دعا إدارة جو بايدن الى "إبلاغ تركيا أن عليها أن تضبط أفعالها. فتركيا تهدد حقول النفط والغاز في البحر المتوسط" الى جانب مشروعها الخطير على سوريا وليبيا.

ماذا يريد فريق بايدن المعني بالسياسة الخارجية أن يركّز عليه؟ الصين، أولاً، بطبيعة الحال، وكذلك روسيا وإيران. هذا لا ينفي الضرورة القاطعة لقيادات المنطقة العربية أن تضع سلسلة خيارات سياسية policy options أمام إدارة بايدن ولدى القيادات الصينية والروسية تحت عنوان أساسي هو: أن المنطقة العربية ليست ملحقاً إيرانياً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد