: آخر تحديث

تجديد

49
51
43
مواضيع ذات صلة

 

أراد العرب أن يُتوّج أدونيس بجائزة نوبل، كتبوا ذلك مرارا، إلى أن كشفت الأحداث السورية وجهه الآخر، فخمدت كل تلك الأصوات التي تحمّست له على مدى سنوات. بالطبع إذا أردنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا فالشعر عندنا يُقرأ بعين إيديولوجية. وهذا لا يعني أن أدونيس يستحق نوبل، لقد قرأه نقّاد أقحاح وقيّموا شاعريته وشعره ووضعوه حيث يجب أن يوضع، لكنّ كما قلت نحن قلّما نبحث عن الشعر في قراءاتنا، وإلاّ كيف لأمّة عدد سكانها 377 مليون نسمة ترشّح شاعرا واحدا لنوبل على مدى سنوات، هي التي إن بحثنا في ماضيها العميق لا نجد عندها سوى الشّعر.

أمّا التّشكيك بنوبل والتّلاعب بالكلمات بشكل سيئ بشأنها، فقد أصبح مهنة التقليديين، الذين يصابون بخيبة أمل كل سنة عند إعلان اسم الفائز بها. هذا لا يحدث عندنا فقط، في أوروبا يحدث ذلك، وفي أمريكا أيضا بالنسبة للمجادلين الذين لم يتوّج كتابهم المفضلون، يعتبرون تتويج لويز غليك ضربة حظ. كثر أسفوا لأن جون آشبري رحل دون أن ينالها، وقد راهنوا على سوزان هاو، وجويس كارول أوتس، وجوان ديديون، ومارغريت أتوود، ولكن على غير توقع خرج اسم لويز غليك مفاجئا كما أرنب الساحر من القبعة، وأبرز مقاييس جديدة للشعر.

عربيا نملك ترجمة وحيدة لأحد كتبها، عدا ذلك تخلو المكتبات في فرنسا مثلا من أي ترجمة لها، وقد ذكرت عدة مواقع أن لويز غليك قرئت في الغالب بلغتها الأصلية. أمّا الترجمات التي أُنجِزت لبعض نصوصها سريعا لتلبية متطلبات الحدث، فهي ترجمات لا ترقى لمستوى شعرها. يُقال أيضا إن ترجمة الشعر مجرّد محاولة لتقريب المعنى.. الشّعر لا يُترجم.

فكيف وُصِف شعرها؟،

إنه مصنف ضمن "شعر الاعتراف" الذي ظهر في خمسينات القرن الماضي، تحضر فيه الـ"أنا" ولكنّه لا يحيل على سيرة ذاتية، شعر بسيط ومخادع، ليس سياسيا وليس ذاتيا، نصوصها طويلة كثيفة السرد، بجرعات موسيقية مثيرة للاهتمام، تتميّز جميعها بالوضوح كما قال أندرس أولسون رئيس لجنة نوبل في كلمته، مّلخّصا مجمل أعمالها برؤية نقدية تحترم روح الشعر. تحضر فيها الطفولة، والعائلة، والعلاقة الوثيقة بين الوالدين والأشقّاء، وهي أكثر موضوع محوري في نصوصها.

ثمّة آثار واضحة لعبورها نحو شيخوختها، ومواجهة حقيقية لأحلامها وأوهامها. اقتربت غليك من فكرة الموت بنعمة وخفّة رائعة، تفكّك العالم وتعيد تشكيله بطريقة سحرية.

سال حبر كثير بشأن موت الشعر، وانبعاثه بسبب جائزة نوبل. واكتفى البعض بالتعريف بالشاعرة، مع تلميح غير بريء إلى أنّها شاعرة غير معروفة، لكن هل وجدت الجوائز لتتويج مشاهير ونجوم الساحة الأدبية فقط؟.

لقد قدمت نوبل كل الأسباب المُجَدِّدة للشعر في قراءتها لنتاج غليك، متجاوزة قواعد الحقب الماضية، إنّه تتويج لنمط جديد في التعبير، ومحاولة جادّة لإنقاذ الشعر من الموت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد