: آخر تحديث

الماضي.. كما ينبغي..!

53
59
45
مواضيع ذات صلة

نعود إلى الماضي.. نحيل إليه القيم والمبادئ الأولى وتربية الجميع لنا، ثم نفتش عنه في حاضرنا المغرّب عنه، وحينما لا نجده نتحسر حد الزهد في عصرنا وإلصاق التهم فيه، وعلى الرغم من تعاقب الأجيال، يتكرر الأمر حتى أصبح الماضي قيمة بذاته لا بما سار عليه، أو ما كنا عليه فيه من عادات وقيم وطقوس.

أفهم دائما أن للماضي حنينا تليدا ليس لأنه الأجمل عنا.. أو بعض منا.. بل لأنه لا يعود ولا يستعاد، وفي المقابل لا ينتهي حنيننا للزمن بعد أن يتفلَّت من قبضتنا، ويصبح كل ما فيه نصيب ذاكرةٍ تجمّله نكاية بعثرات اليوم.

هكذا هي سيرة الإنسان في الأرض، لكن ماذا لو تتبعنا الأثر الإيجابي للحاضر على كثير من سلوكيات الماضي، هل سننصف لحظتنا ونصير أكثر إيجابية بها؟

هو سؤال ربما ينشغل به الشعراء - وقد قيل إني منهم - لاسيما ومسرحهم الذكرى وصوتهم الحنين في كل زمان، لكن يبدو أنني هنا أقف لأتمرد على هذا الحنين، وأكاشف سوءات الماضي عبر بعض السلوكيات التي تطورنا عليها كثيرا، وشكلت أحيانا عبئا كبيرا على ذاكرتنا، والحقيقة أن ما قدح هذا الفكرة في ذهني تلك الصور القديمة التي مررها لي أخي ذات مساءٍ، لرجالٍ عاشوا معنا طفولتنا في قريتنا الأولى.. لا أعلم كيف سقط من ذاكرتنا كثير من الأسماء حينها، بينما تذكرنا ألقابا كانت تطلق عليهم، وهي في جلّها ألقاب «انتقاصية» جاءت جرّاء عنصرية مقيتة، أو حتى من باب التهكم والاضطهاد النفسي، وهي أحد سلوكيات ذلك الزمن لدرجة أن كثيرا من العائلات تعرف «بأنبازهم» أكثر من أسمائهم الموثّقة.. هذا ما كانت عليه المجتمعات القروية قديما، وفي الوقت الذي ظننت دائما أن المدينة ثقّفتنا وأخذتنا إلى سلوكيات أخرى، لكن الماضي الذي يراودنا الحنين إليه يأتي حينما يأتي بذاكرة مثقلة بذنوب الماضي تماما كما هي متأصلة بقيمه وحضارته.

الماضي ذاكرة مثقلة بكل شيء.. من أول الجهل والجوع، حتى آخر التخلف والسفه الأخلاقي.. لكن الحنين إليه مفلتر دائما.. فالذاكرة لا تعود إلا لما تحب، ولا تستدعي إلا ما يجعلها أجمل؛ لهذا لا يصْدُق التاريخَ دائما لاحقٌ له؛ لأنه سيستدعيه كما يحب ومن هنا قال أجدادنا يوما إن التاريخ يكتبه المنتصرون...!

فاصـلــة :

لاتبتئس مني.. أنا بعض السنين لديك يا زمني..

وأنت تلوّن الأسماء.. أنت تعبّدُ الطرقات.. أنت تقودني للسير في مدنِ الفراغ..

حاول تجاورني.. فنمضي في دروب الغيب..

لا ندري نهايتنا ولا أين الطريق..

أنت الذي يختار لا صمتي..

فقل ممن نفرّ.. ومن يلاحقنا.. ومن فينا الطليق؟!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد