: آخر تحديث

الفرق بين المُعِّمر والمُدمِّر

61
62
47
مواضيع ذات صلة

 

من الرائع أن نرى جلالة الملك في خطابه الأخير أمام مجلسي النواب والشورى يهتم بأدق التفاصيل التي تصب جميعها في توفير حياة أفضل لرعيته، ويرسم أمامنا معالم واضحة لخطة نهوض وطنية شاملة، مبتعدًا جلالته كل البعد عن السياسة والخلافات، ومركّزًا في خطابه على التفكير بحياتنا ومستقبلنا. لقد برهن جلالته مرة أخرى أنه صوت العقل والحكمة، يمسك بدفة سفينتنا بهدوء واتزان ويوصلنا إلى بر الأمان مهما علا الموج وكثرت التحديات.

الثقة بالله وبالشعب والرصانة والهدوء وبعد النظر بعض من خصال جلالة الملك، في وقت لم يجلب الصراخ فيه شيئا للزعماء، أدولف هتلر وهوجو شافيز ورجب أردوغان وعلي عبدالله صالح والقذافي وغيرهم من مدمني حب الظهور والهتاف والضرب على الطاولة فيما هم يتحدثون عن الأمة والمستقبل والمشاريع الكبيرة ومواجهة خونة الداخل وأعداء الخارج، وتزداد أعراض إصابتهم بجنون العظمة كلما سمعوا أنصارهم يصفقون لهم ويهتفون أمامهم، لكن هؤلاء الزعماء لم يجلبوا لشعوبهم ولجيرانهم سوى الخراب والدمار.

اعتقدوا أنفسهم أنهم أباطرة عصرهم، وضاقت عليهم مساحات دولهم بما رحبت، فبدأوا يمدون عيونهم وأيديهم إلى خيرات جيرانهم تحت ذرائع شتى، وافتعلوا الحروب والفتن، وتدخلوا في شؤون غيرهم بالسر والعلن، ولكن انقلبت الآية عليهم وضاعت مكاسب التنمية والازدهار التي وعدوا بها شعوبهم، وأصبحوا يشكلون عبئًا كبيرًا على أوطانهم ذاتها، ومصدر قلق وإزعاج للسلم والأمن العالمي.

إن استخدام جلالة الملك منبر السلطة التشريعية لتوجيه خطابه الشامل للأمة يحمل مدلولات خاصة، تتمثل في حرص جلالته على دعم ركائز مشروعه الإصلاحي القائم على الديمقراطية الدستورية، بما يؤكد أن مسيرة الإصلاح تمضي قدمًا إلى غاياتها في البحرين بغض النظر عن أية مؤثرات خارجية أو داخلية، وتخط هذه المسيرة معالم طريقها لتقدم مملكة البحرين للعالم نموذجًا في الإصلاح الديمقراطي الذي يلبي تطلعات الشعب ويراعي الخصوصية التاريخية والاجتماعية والثقافية في الوقت ذاته.

تابعت تفاصيل خطاب جلالة الملك، وقرأته بتمعن في الصحف، فوجدته خطابًا شاملاً يرسم خطة عمل وطنية، اقتصادية اجتماعية تنموية وعلى جميع المستويات، منطلِقا جلالته من الحديث عن الأوضاع الصحية وكيف تمكنت البحرين من بناء نموذجها الناجح في التعامل مع جائحة كوفيد-19، ليس على صعيد توفير الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية للمواطنين والمقيمين فقط، وإنما على صعيد الدعم المالي والتماسك الاجتماعي والاستقرار الأسري والنجاح في الحفاظ على سير الحياة العامة ولو بالحد الأدنى دون انقطاع.

صحيحٌ أن هذه الجائحة صعبة وغير مسبوقة وجلبت لنا تداعيات سلبية كثيرة، لكنها في ذات الوقت أكدت لنا مرة أخرى المعدن الأصيل لقادتنا وحبهم ودعمهم لنا ومدى حرصهم علينا وعلى صحتنا ومعيشتنا. بالمقابل أنا فخور كل الفخر بالبحرينيين الذين أثبتوا مرة أخرى في هذا الأزمة الصحية حبهم لقيادتهم وامتثالهم لتعليماتها، وتفانوا في أعمالهم في الصفوف الأمامية أو في أي مكان، وحرصوا على المشاركة بفاعلية في كتابة قصة نجاح النموذج البحريني في مواجهة الجائحة.

أكاد أقول إن كل تفصيل وفكرة في خطاب جلالة الملك جديرة بالتحول إلى خطة عمل تنفيذية، فحديث جلالته عن الأمن الغذائي يفرض وجود برنامج وطني لتحقيق هذا الأمن بشكل مستدام، وعندما أشار جلالته لأهمية الحفاظ على البيئة فإن هذا لا يعني مجرد مبادرات فردية هنا وهناك بقدر ما يوجِّه لإطلاق جهد متكامل لضمان بيئة صحية ننعم بها ونتركها سليمة لأبنائنا من بعدنا. وتوقفت كثيرًا عند قول جلالة الملك في خطابه «ونجد أن في مقدمة أولويات العمل المقبلة، التعافي السريع لاقتصادنا الوطني بالتعاون مع القطاع الخاص، بتبني الحلول والمبادرات المنسجمة مع متطلبات الظرف ولعودة المعدلات الإيجابية للتنمية الوطنية، وكما تطمح له رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، وفكرت بدورنا ومسؤوليتنا كرجال أعمال في ذلك، فنحن نستلهم التوجيهات والتوجهات العريضة لمملكة البحرين، ونحن الآن بحاجة لتقوم جهة حكومية كمجلس التنمية الاقتصادية مثلا برسم خطة انقاذ اقتصادي تشركنا فيها ونستطيع إعادة توجيه مواردنا وخدمات ومنتجات شركاتنا وفقا لذلك، فنحن نعمل ونعيش في هذا البلد، ونجاحه وازدهاره أولوية قصوى بالنسبة لنا، وخير علينا أيضا.

كما شدني في الخطاب أيضا توجيه جلالة الملك لإنشاء مستشفى ومركز متخصص في مجال الأمراض المعدية، وبتجهيزات تمكنّه من التعامل مع التحديات الصحية وطنيًا وإقليميًا، فالأوبئة لن تتوقف عند كورونا، ومستشفى أو مركز كهذا لن يقدم الخدمات الوقائية والعلاجية فقط بل سيعزز مساهمة البحرين في الجهود العالمية للتصدي للأوبئة، واللافت هنا أيضا هو توجيه جلالة الملك بتوثيق كافة الداعمين لحملة «فينا خير» على صرح هذا المستشفى، في مشهد يعيد للأذهان كتابة أسماء البحرينيين المخلصين الشرفاء على صرح ميثاق العمل الوطني، وكم يمثل هذا فخرًا لنا، وحافزًا على مواصلة البذل والعطاء.

إضافة إلى ذلك، نحن لن نتمكن من العبور نحو اقتصاد المعرفة الذي نصت عليه رؤية البحرين 2030 من خلال القطاعات الاقتصادية التقليدية فقط كالنفط والألمنيوم والنقل، بل من خلال علوم المستقبل التي تشكل حوامل الثورة الصناعة الرابعة، ومن هنا جاء أيضا حديث جلالة الملك عن التفوق في علوم الفضاء بفوائدها العلمية والبيئية، وعلوم الطاقة الذرية باستخداماتها السلمية لخدمة الإنسانية. هذه العلوم هي ميدان الشباب ومجاله، وأنا واثق من أن «صندوق الأمل» برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية سيوجه دعمًا وتركيزًا أكبر على الشباب المبتكرين في مجال العلوم المتقدمة، وتشجيع أفكارهم وأبحاثهم ومشروعاتهم في الذكاء الصناعي والتكنولوجيا المالية وانترنت الأشياء وغيرها.

كم كنا محتاجين لجرعة التفاؤل والأمل والاطمئنان التي بثها فينا خطاب جلالة الملك في وقت زادت مخاوفنا وهواجسنا بسبب التحديات الصحية والاقتصادية والمعيشية التي يمر بها العالم وسط ضبابية المشهد وعدم وجود ضوء واضح في نهاية النفق، وزاد هذا الخطاب من عزيمتنا وحرصنا على مواصلة العمل ارتكازًا على المحددات الأساسية التي تطرق لها الخطاب السامي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد