: آخر تحديث

حدود الشوكولاتة

60
56
46
مواضيع ذات صلة

عندما كنت صغيرة كنا نمتلك في منزلنا دولابا مليئا حرفيا بالشوكولاتة. شوكولاتة من كل الأنواع والأشكال والأحجام.. كنت سعيدة جدا فالدولاب لا يفرغ أبدا.

كان ذلك العام الأول الذي انتقلنا فيه إلى بلدة حدودية مع الجزائر.. إذا كل تلك الشوكولاتة مصدرها الجزائر.

تخيلت أن جبال “دزاير” كما نسميها شوكولاتة بيضاء وأنهارها شوكولاتة سائلة وأرصفتها ويفر خفيف.

حتى إننا كنا صغارا نقفز حول واد على الحدود مرددين “هنا تونس، هنا دزاير.. هذه حدود الشوكولاتة”.

لكن لماذا لا نسكن بلاد الشوكولاتة ونكتفي بالحدود؟ هل يخاف أهل المدينة هنا مصير تلك القرية التي قررت وعزمت، بأهلها وحيواناتها، على الهجرة إلى دزاير للحصول على نصيبها من الشوكولاتة.

المهم حزم أهل القرية كل ما يملكون.. وساقوا حيواناتهم: بضع معزات وخروفين وكلبا لا يكف عن النباح وديكا لا يكف عن الصياح ودجاجات وحمارا أعرج ركبه الزعيم السمين. ثم توجهوا إلى الحدود.

تفطنت السلطات إلى الأمر الجلل الذي سيجعل البلاد “نكتة” بين الأمم. أرسلت شاحنة تتبع الجيش أدركت القرية المتنقلة قبل عبور حدود الشوكولاتة بقليل.

وكشرط للعودة وافقت السلطات على التفاوض مع موفدين من القرية لتحقيق المطالب المشروعة في الحصول على الشوكولاتة العادلة.. ومن يومها لا يعرف مصير المفاوضين المتاعيس.

 قد تكون القصة خيالية رغم أن كثيرين يصرون على أنها قصة حقيقية.

ثم.. فجأة اختفت الشوكولاتة من الدولاب شيئا فشيئا، وبتنا نشاهد في التلفزيون إعلانات تقول “لا تقربوا الشوكولاتة المشبوهة”.

لم أكن أعي معنى الإرهاب.. كنت صغيرة لأفهم كل هذا الدمار. وغادرنا حدود الشوكولاتة إلى مدينتنا الأصلية التي تبعد 40 كيلومترا.

قال أبي لا تخافي إنها نار شريرة تذيب الشوكولاتة فقط ستطفأ قريبا، وصدقته.. تضرعت كثيرا لله أن ينزل أمطارا لتطفئ النار.. وجاء موسم الأمطار ونزل الثلج عامها كما لا أتذكر أنه نزل في أي عام آخر، لكن النار لم تنطفئ، لقد أذابت الثلج أيضا، تواصل لهيبها 10 سنوات أو يزيد.

شيئا فشيئا أسقطت الأمر من ذاكرتي، كان التفكير في النار يعذبني كثيرا، ما هذه النار التي تذيب الشوكولاتة حد الغليان ثم الحريق وتحولها إلى رماد تصلنا رائحته.

كبرت ولا أزال لا أفهم لماذا يختار الناس في البلاد العربية أن يحرقوا أوطانهم بالنار، أن يحولوا الشوكولاتة إلى رماد، أن يستبدلوا الضحكات بالنحيب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد