: آخر تحديث

الصحافة في زمن الاشتراكات

64
57
63
مواضيع ذات صلة

على مدار عقود، مثّل التكسُب في صناعة الصحافة تحديًا لشيوخ المهنة، الذين عرفوا للصحافة نموذجًا واحدًا للدخل وجني الأرباح وربما الاكتفاء الذاتي فحسب، فالتوزيع الورقي، والإعلانات على هامش المحتوى والمادة المطبوعة ظلا لعقود طوال أعمدة لنموذج الأعمال شبه الموحد لصناعة الصُحف، قبل أن يضطر التحوّل الرقمي الجميع إلى مسار إجباري من التغيير وإعادة ضبط البوصلة، لتشذ بعض الحالات التي رزحت في حالة من الركون إلى عادات الماضي والجمود، أودت بها أخيرًا للإغلاق والتغبُر بغبار الزمن.

 وبالرغم من أن عملية ضبط البوصلة رُبما بدأت تؤتي ثمارها أخيرًا لا سيما في مدارس صحفية عربية راسخة ونسخها الإلكترونية استطاعت أن تحوّل الدفّة إلى آليات أكثر واقعية ومرونة وحساسية تجاه القراء وتفضيلاتهم لتحقيق ربحية من المحتوى، وسط نماذج أخرى لا يمكن إنكارها ما زال نموذجها الربحي متعثرًا لم تتضح ملامحه بعد، تزخر الصحافة العالمية بنماذج قطعت أشواطًا في هذا الصدد، ويمكن تتبعها واستخلاص الدروس من تجاربها ونماذج أعمالها، لعل في مقدمتها صحيفة النيويورك تايمز، التي تحقق في الفترة الأخيرة حالة صحفية فريدة من الانتعاش الربحي، إذ شهد سهمها ارتفاعًا غير مسبوق في الفترة الأخيرة على خلفية هذا الانتعاش، لتُعطي لأرباب الصناعة المأزومة حول العالم أملاً في فاعلية نماذج الأعمال المستحدثة على تحقيق الكسب من المحتوي الصحفي، بمزيد من التخطيط ودراسة الجمهور، والمجازفة نحو تبني كُل جديد وتوظيفه، ورُبما لأسباب أخرى قد نتعرض لها لاحقًا في هذه الزاوية.

هناك نماذج عدة في الصحافة العالمية يمكن رصد ما طرأ عليها من تغيرات فيما يتعلق بالإدارة المالية وتسويق ونشر المحتوى، تتسق مع مفردات العصر وتفتح آفاق جديدة  تفصل ما بين مفهوم الإخبار والورقة المطبوعة، ولا بد التعريج هنا على تجربة صحيفة الوول ستريت جورنال، التي أُسست ثمانينات القرن التاسع عشر وما تزال تحظى بمكانة براقة إلى اليوم، وذلك لأن تجربتها في  طرح محتوى إلكتروني مدفوع عبر الاشتراكات ممتدة منذ  1996- 1997، وهي إحدى التجارب الرائدة، وفي البدايات كان المحتوى المحجوب عن غير المُشتركين محدود، إلا أنه تزايد عبر السنوات  لتُصبح الكفة الرابحة في صالح المُشترك مُقابل الزائر، فالصحيفة لديها هدف متمثل في الوصول لـ 3 ملايين مُشترك، وصلت بالفعل اليوم لـ 2 ونصف مليون منهم.

النموذج الآخر بالطبع هو صحيفة النيويورك تايمز التي بدأت تقديم محتوى إلكتروني مدفوع عام 2011، وتحظى هذا العام بسنة مثالية فيما يتعلق بالاشتراكات الجديدة بفضل جائحة كوفيد - 19 لتقفز الاشتراكات قفزة لم تحدث في تاريخها من قبل، قدرها 600 ألف اشتراك رقمي جديد في ثلاثة أشهر فقط، والاشتراكات بالنسبة للصحيفة هي أولى مصادر دخلها ولا تأتي الإعلانات سوى في المركز الثالث، وللغرابة ما تزال الطباعة حاضرة على جدول أعمال النيويورك تايمز كأول مصارفها. 

غير أن هذا ليس كُل شيء. ففي الوقت الذي تحتفي فيه أصوات بنموذج النيويورك تايمز في حصاد الاشتراكات وتحقيق الأرباح، تُرشح أصوات أخرى عاملاً آخر قد يمثل لاعبًا محوريًا في هذه المسألة، فالجدل وثراء المحتوى في هذه التجربة على وجه التحديد، والسجالات الدائرة يومًا بعد يوم بين الصحيفة وساكن البيت الأبيض يُعتقد أنها رُبما أسهمت بشكل كبير في إنعاش الاشتراكات وإزكاء رغبة الجمهور في الوصول للمحتوى محل الجدل، وربما الضغط على زر الاشتراك وكتابة رموز البطاقة الائتمانية، الذي يترجم أخيرًا في سجل الصحيفة إلى اشتراك جديد يضاف إلى عداد الاشتراكات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد