د. فايز رشيد
مسرحية درامية ذات إخراج رديء، اقترفها بيني غانتس زعيم تحالف «أبيض- أزرق» حين وجّه طعنة قاتلة لحلفائه الذين وثقوا به وعينوه رئيساً لتحالفهم الذي قاده في ثلاث جولات انتخابية في غضون عام وثلاثة أشهر. فقد اتفق خلسة مع كتلة اليمين بزعامة نتنياهو في خطوة انتهازية واضحة ليُنتخب رئيساً للكنيست وحصل على تأييد 74 عضواً واعتراض 18، فيما امتنع الآخرون عن التصويت من بينهم حلفاؤه (السابقين) عمير بيرتس زعيم التكتل المسمى زورا ب «اليساري» والذي يضم حزبي العمل وميرتس. فيما رفض يائير لابيد وموشيه يعلون من قادة «أزرق- أبيض»، وعدد آخر من أعضاء الحزب و «القائمة العربية المشتركة»، التصويت لصالحه. كل ذلك مقابل الموافقة على تأييد زعيم الليكود نتنياهو لتسلم رئاسة الحكومة.
لقد أدت خطوة غانتس إلى إعلان كل من يائير لابيد زعيم حزب «هناك مستقبل» وموشيه يعلون زعيم حزب «تيلم» إلى انسحابهما النهائي من الائتلاف وسط توقعات بأن يشكلا حزباً واحداً. لقد فوجئ الشارع الصهيوني بخطوة غانتس التي أتت في ظل تمسكه حتى قبيل انتخابات الكنيست بموقفه الرافض لتشكيل حكومة وحدة برئاسة نتنياهو وعلى أساس التناوب في رئاسة الحكومة. لقد التف على وعده القاطع بتأييد ترشيح مئير كوهين من حزبه لرئاسة الكنيست بعد رفضه أن يبقى الليكودي بولي إدلشتاين في رئاسة الكنيست.
وبحسب مصادر إعلامية «إسرائيلية»، فإن ما حصل هو جزء من اتفاق المفاوضات مع الليكود التي جرت ولا تزال تجري لتشكيل حكومة وحدة. وبحسب بعض التسريبات، فإن نتنياهو، سيكون رئيساً لوزراء حكومة الوحدة مع تبادل للموقع مع غانتس، لكن من السهل على زعيم الليكود نقض وعده من إغراء جديد يقدمه لغانتس. الاتفاق نص على أن يكون غانتس نائباً لنتنياهو بصلاحيات كاملة كرئيس وزراء، وأن يحتفظ بحقيبة وزارة الخارجية لنفسه، في حين أن يسرائيل كاتس، سيكون هو أو نير بركات (رئيس بلدية القدس المحتلة) وزيراً للمالية. وسيعين غابي أشكنازي من تحالف غانتس وزيراً للجيش، ويعود نفتالي بينيت لوزارة التربية والتعليم، فيما ستكون وزارة القضاء والاقتصاد بيد حزب غانتس. وستبقى بعض الوزارات كما هي في أيدي أحزاب اليمين المتطرف، وبقاء أرييه درعي وزيراً للداخلية ويعقوب ليتسمان وزيراً للصحة.
من جانبها، دانت القائمة العربية المشتركة، الخطوة التي قام بها غانتس، مؤكدةً أن «غانتس أثبت في هذه الخطوة بأنه لا يملك ثباتاً سياسياً». وشرحت القائمة بأن «توصيتها على غانتس كانت تهدف إلى منع إمكانية تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة من جديد، وإن الهدف الوحيد لهذه التوصية كان إسقاط نتنياهو لا دعماً لغانتس، ذلك لإدراكنا التام لمدى الخطورة الكامنة في تشكيل حكومة يمين متطرف استيطاني بزعامته».
وأوضحت أن «غانتس أسهم عملياً بخطوته هذه في استمرار نتنياهو في الحكم». وأكدت «المشتركة» في بيانها أنها «قامت بما وعدت جمهور ناخبيها بأن تكون رأس الحربة في مناهضة حكومة نتنياهو وسياساتها، وسوف تستمر في دور المعارضة الشرسة لها مستقبلاً أياً كان الشركاء فيها».
يتشدق غانتس الانتهازي بأنه على ضوء انتشار «كورونا» في دويلته فهو يسعى إلى تشكيل حكومة طوارئ بأي ثمن وإن بتخليه عن تشكيل الحكومة، وهذا ليس صحيحاً، فما إن لوح له نتنياهو بتأييد ترشحيه لانتخابات رئاسة الكنيست حتى قبل العرض وباع كل أطراف تحالفه، ما حدا بعمير بيرتس رئيس حزب «العمل» من التحذير بالقول إن «العنف السياسي أصبح مكتوباً على الجدار، وهو ما يذكّر بزمن مقتل رئيس الحكومة السابق إسحق رابين.
مهما تكن الدوافع التي يسوقها غانتس في تبرير خياره، فإن الحكومة ستواجه تحديات على المستوى السياسي، إضافة إلى تداعيات انتشار فيروس كورونا، وكذلك الأوضاع الاقتصادية والصحية المتردية قبل الفيروس، الأمر الذي يبقي مجالاً للخلاف وصولاً حد الصراع بين نتنياهو وغانتس، وهو الأمر الذي يدعو إلى القول بأن الاتفاق الأخير لن تتوفر له فرص النجاح ولن يبقى طويلاً.