: آخر تحديث

زعيم ماليزيا الجديد.. تحديات كثيرة في ظروف حرجة  

67
58
61
مواضيع ذات صلة

  عبدالله المدني

 

يوصف رئيس الوزراء الماليزي الجديد محيي الدين ياسين، الذي كلفه ملك البلاد «السلطان عبدالله أحمد شاه» في 29 فبراير الماضي بتشكيل حكومة بديلة عن حكومة مهاتير محمد المستقيلة، في الأدبيات السياسية الماليزية بالشخصية المخضرمة ذات التوجهات القومية والإسلامية المحافظة، كما عــُرف عنه براغماتيته وبراعته لجهة الانتقال من فصيل سياسي إلى آخر بحسب الأوضاع والمستجدات. وبمعنى آخر، وكما قال عنه أستاذ الدراسات الآسيوية بجامعة تسمانيا الأسترالية البروفسور جيمس تشين، هو من الساسة الذين لا يقحمون أنفسهم في أي صراع سياسي، لكنه يجلس متفرجًا على حروب الآخرين من بعيد، ثم يظهر في المشهد في اللحظة الأخيرة ليقطف الثمار. 

وهناك شواهد على صحة هذا الكلام. فالرجل، المولود سنة 1947 برز سياسيًا منذ عام 1971 في كنف الحزب الذي حقق الاستقلال لماليزيا وقادها على مدى 6 عقودٍ متواصلة حتى عام 2018 وهو حزب «المنظمة الملايوية الوطنية المتحدة» المعروف اختصارًا باسم (أومنو)، تولى باسم هذا الحزب رئاسة الحكومة المحلية لسلطنة جوهور، ثم حمل حقائب وزارية عدة (الشباب والرياضة، التجارة والاستهلاك، الصناعة والزراعة، التجارة الدولية)، وصولاً في عام 2009 إلى منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق. وحينما شعر أن قضية الفساد الضخمة في صندوق الاستثمار الحكومي التي أتهم بها الأخير تتفاقم وقد تطيح بحكومته، سارع إلى انتقاده كنوع من تبرئة الذمة أمام أتباعه، فانتهى الأمر بطرده من الحكومة سنة 2015. وعلى ضوء هذا التطور، الذي أنقذه من غضب مهاتير ومريدي الأخير، قرر تشكيل حزبه الخاص وانضم إلى تحالف الأمل الذي أسسه مهاتير وأنور إبراهيم خصيصًا من أجل الإطاحة برزاق، وكانت مكافأته هو حقيبة الداخلية التي لم يشغلها عمليًا بسبب خضوعه للعلاج من سرطان البنكرياس في مراحله الأولى.

الدليل الآخر عن برغماتية وحذر ياسين السياسي الشديد نستمده مما حدث خلال الصراع التي تفاقم في فبراير الماضي بين مهاتير وخليفته المفترض أنور إبراهيم، حيث ابتعد عن إقحام نفسه في الصراع، ولم يتدخل حتى لرأب الصدع بين حليفيه، متظاهرًا بالحياد، بل سرعان ما حزم أمره وعاد إلى حزب أومنو الذي كان قد عمل مع مهاتير وإبراهيم لإخراجه من السلطة. كل هذا جعل عين الملك تقع عليه لقيادة البلاد كحل وسط بعدما شعر أن الثقة بين مهاتير وإبراهيم منعدمة، وإن صراعهما على السلطة لا نهاية له.

لكن ما هي التحديات التي يواجهها ياسين، بعد صعوده إلى المنصب الأول في البلاد، غير تحدي كسب الثقة البرلمانية، وهو موضوع يعمل مهاتير للحيلولة دونه عبر مكائد ومساومات في الخفاء؟

 يقال إن ياسين في الوقت، الذي يعمل فيه على تصويب السياسة الخارجية الماليزية باتجاه الرياض، بعيدًا عن المحاور الشرق أوسطية التي أراد مهاتير من خلالها تحقيق طموحاته في قيادة العالم الإسلامي مع صنوه التركي رجب طيب أردوغان، يولي الداخل الماليزي اهتمامًا خاصًا، على أمل أن يحقق لنفسه شعبية تنقصه بالمقارنة مع هالة مهاتير وشهرة أنور إبراهيم. 

وما من شك أنه سينجح في ذلك إنْ ركّز جهوده على ضرب أوجه الفساد والمحسوبية في أروقة الحكومة والحزب الحاكم، وأبعد كل الرموز التي تحوم حولها الشبهات من مواقع المسؤولية، حيث أن مكافحة الفساد هو العنوان الأعرض اليوم في الشارع الماليزي. الأمر الآخر الذي سيعزز صورة ياسين هو التعامل بسرعة ووفق خطة محكمة استثنائية لاستعادة عافية الاقتصاد الماليزي بعدما تدهورت أسعار النفط والبورصة وحركتي التجارة والسياحة بسبب تداعيات وباء كورونا (كوفيد 19)، لكنه على هذا الصعيد لا يملك حلولاً سحرية لاسيما وأنه ورث تركة ثقيلة من الديون العامة في مقابل عائدات حكومية شحيحة. أما الأمر الثالث الذي سيؤدي حتمًا إلى تحسين صورة الرجل كقائد وطني هو التجاوب مع رغبات وتطلعات مواطنيه من الإثنية الملايوية التي ما انفكت منذ فجر الاستقلال تعبر عن استيائها من سيطرة العرقيتين الصينية والهندية على مقدرات البلاد الاقتصادية، رغم أنها تشكل غالبية عدد السكان. وقد استبشر الملايويون خيرًا حينما أعلن مؤخرًا أن «الملايو أولاً»، ثم حينما شكَّل حكومة أسند الكثير من حقائبها الهامة إلى شخصيات تنتمي إلى العرق الملايوي. وفي هذا السياق قيل إن ياسين ربما سيلجأ لاحقًا إلى مداهنة أقطاب المال والأعمال من العرقيتين الصينية والهندية والمراهنة على نفوذهم من أجل إخراج ماليزيا من أزمتها الاقتصادية المستجدة بمنحهم صلاحيات ومزايا ومسئوليات أخرى. وأخيرًا فإن الرجل سوف يعمل خيرًا لبلاده إن وجد حلا سريعا لحالة الاستقطاب والانقسام السياسي غير المسبوق التي تعيشها ماليزيا اليوم والناجمة تحديدًا عن صفقات وألاعيب وتحالفات مهاتير لضرب حزب البلاد الأكبر (حزب أومنو) وإخراجه من السلطة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد