: آخر تحديث

إغراءات دول إقليمية على العدوان؟  

68
69
63
مواضيع ذات صلة

 عاطف الغمري

عندما كان الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يدور بعيداً عن حدودهما الإقليمية، في تنافس على مواقع النفوذ في العالم، والتي تتضاعف أهميتها من ثرائها بالموارد الاقتصادية وخاصة البترول، وبموقعها الاستراتيجي الحيوي، كانت قدرات قوى إقليمية طامعة في الخروج بأطماعها إلى أبعد من حدودها، مقيدة بحسابات الأطراف الكبرى في هذا الصراع، وقت أن كانت الساحة العالمية ميداناً للمواجهات بين القوتين الأعظم.
وفي هذا الخصوص، قال الرئيس نيكسون ذات يوم بعد أن غادر منصبه، إن الحرب العالمية الثالثة كانت قد اشتعلت بيننا وبين الاتحاد السوفييتي، على امتداد أراضي دول العالم الثالث، في صورة 40 حرباً إقليمية، وكنا نحن والسوفييت الطرف الرئيسي وراء هذه الحروب.

في هذه الحروب شاركت أطراف محلية مدفوعة إما بتكليف مباشر من القوتين الأعظم، أو بدفع من دول، دون أن تتصور وهماً أنها هي ليست صانعتها.
بعد ذلك انتهى الصراع بين القوتين، مع تفكك الاتحاد السوفييتي، وما لحق بالسياسة الخارجية الأمريكية من تحولات جذرية، بدأت بتبني الرئيس جورج بوش الأب، مبدأ دعم الاستقرار الإقليمي، خاصة في الشرق الأوسط، باعتبار أن زعزعة هذا الاستقرار في سنوات سابقة كان من ضرورات الصراع العالمي. بينما لم يعد هناك منافس لأمريكا على نفوذها في الشرق الأوسط. وبعد 15 عاماً على الأخذ بهذا المبدأ وقع ما سمي بانقلاب في السياسة الخارجية الأمريكية، على يد إدارة جورج بوش الابن، وبتأثير جماعة المحافظين الجدد التي تولى قادتها المناصب الرئيسية في إدارة السياسات الخارجية والدفاعية.

هؤلاء أطلقوا خطط تغيير الأنظمة، بوسائل الفوضى الخلاقة، وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، وإشعال حروب، واستخدام منظمات إرهابية في تحقيق أهدافهم.
في تيار هذه التحولات، والتي لحقت بها تناقضات في مواقف الرؤساء الأمريكيين، وتراجع عن الالتزامات التقليدية للولايات المتحدة، بحماية سلامة وأمن دول حليفة أو صديقة، أدى ذلك إلى تضخم أطماع إقليمية لدول هي تحديداً إيران، وتركيا، و«إسرائيل»، وخروجها عن النطاق الذي كان محكوماً بقواعد صراع سنوات الحرب الباردة، وأخذت كل منها تتحين أي فرصة للتمدد خارج حدودها، حسب نظرة كل منها إلى ما تريد تحقيقه، وجميعها تغلب عليها دون استثناء، تطلعات استعمارية عفا عليها الزمن، تنبعث من توهمات من ماض لم يعد له وجود..

و«إسرائيل» تمارس حتى الآن تصرفات استعمارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتسعى لضم ما تبقى من الضفة الغربية إليها، وهي بذلك تعيد نفس أفكار الحركة الصهيونية منذ إعلانها عام 1902، لإعادة تشكيل النظام الإقليمي، حسب نظريات الحركة الصهيونية.
تلك القوى الإقليمية يدفعها إلى الغلو في أطماعها - وبصفة أساسية - الموقف الأمريكي، الذي كانت ملامح تردده وتناقض سياساته قد بدأت في عهد أوباما، ثم ازدادت وضوحاً في فترة رئاسة ترامب.
ووصل الأمر ليس فقط بدخول بعض هذه الدول الإقليمية في مواجهات عسكرية باستخدام جيوشها، بل جرى التوسع في نظام الحرب بالوكالة، وتجهيز وتدريب وتسليح ميليشيات إرهابية للقيام نيابة عنها بالدور الذي يخدم مصالحها. وهو ما كان من نتيجته الانتشار الشيطاني لجماعات الإرهاب، التي عزز من وجودها، ما تتلقاه من دعم مادي وعسكري من هذه القوى الإقليمية. ويشهد على ذلك ما أصبح يجمع بين تركيا ومنظمات إرهابية، تنشط لحسابها في سوريا والعراق، والدعم العسكري المباشر لها في ليبيا.
إذا كانت البدايات الأولى لهذه التطورات قد ظهرت في أعقاب خلو الساحة الإقليمية من مواجهات الصراع الأمريكي السوفييتي، فإن قوة دفعها تمثلت فيما كان لدى هذه الدول الإقليمية الثلاث، من استراتيجيات للتوسع الإقليمي، يغريها على ذلك خلو الساحة من استراتيجية أمن قومي عربية مضادة تمثل حائط صد يدفع بها بعيداً عن نطاق الأمن القومي لدول المنطقة.

إن الدول سواء كانت دولاً إقليمية أو قوى كبرى، لا تتوقف حساباتها لأمنها القومي، عند أفكار وقواعد ثابتة لا تتغير لكنها تعيد النظر من وقت لآخر في هذه الأفكار بما يتناسب مع أي متغيرات.
ولا خلاف على أن الحال المحيطة بدولنا العربية، تتطلب نظرة شاملة ومتكاملة للتهديدات التي تواجهها، وصياغة استراتيجية أمن قومي عربي تحد من أطماع وقدرات الأطراف الإقليمية، في الأراضي العربية.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.