: آخر تحديث

إعلان جنيف.. من الشباب إلى العالم

67
63
57
مواضيع ذات صلة

 محمد البشاري

جهود حانية على جيل «بناة اليوم والغد»، يعلو صداه في المؤتمرات العالمية والدولية، مشدداً على قرب تحقيق الإرادة الواعية للشباب، والتي كان آخرها مؤتمر «مبادرات تحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وآليات تفعيلها»، مرسلاً رسائله وتوصياته الناضجة من مقر الأمم المتحدة (جنيف) إلى العالم، من خلال أكثر من 200 شخصية دينية وأكاديمية وسياسية، ممثلة لكل الطوائف الدينية والفلسفية، يتزعمها معالي الدكتور محمد عبدالكريم العيسى أمين عام «رابطة العالم الإسلامي»، وأكثر من 30 ورقة علمية تصب في ذات الوعاء.

وتماشياً مع ما يستلزم بـ«الأقدام» و«الأقلام» من مضاعفة الجهود واستمرار التركيز وبث الأفكار الخلاقة، الداعمة لمشاريع «تنقية الفكر»، والارتقاء به - وهو ما تناولته في المقال السابق - قُدمت جل الخبرات «الكفؤ» مع مراعاة احتياجات ومتطلبات الشريحة المقصودة بدقة «الشباب»، إذ تنتظر هذه الفئة اهتماماً وغرساً «فكرياً» بقوالب تشبههم، فتكون نضرة و«طازجة» لتتماشى وعقولهم الغضة النهمة للاستزادة، وفي الإجابة على «كيف» يكون ذلك؟ لا نجد أمثل من البيئة الإعلامية الحيوية، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، التي أتاحت آلاف الفرص لتصدير الشباب كنماذج مؤثرة تذيع المعلومات، وتقنع الميول، وتشد بخيوط القناعات على مدار أربع وعشرين ساعة، لسبعة أيام في الأسبوع، وفي كافة المجالات والاهتمامات.

ورغم الإيمان العميق، بما لمنصات التواصل ومنابر الإعلام من دور ضليع في أساسات المشروع العالمي للوئام والسلام، إلا أن ما ذكر مؤخراً من توصيات في «إعلان جنيف»، شكّل صورة عامةً واضحة ومحكمة الإعداد في السياق التنفيذي المطروح، والتي تصب في ذات الهدف، ذلك أن شريحة الشباب بحاجة للتمكين، وإحاطتها بما يجعلها أكثر كفاءة، وأول ما طرح الإعلان مبادرة «الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب»، الطامحة لزيادة توثيق أواصر التفاهم بين المجتمعات، إضافةً لمبادرة «التعليم الشامل للتكوين السلوكي في مرحلة ما قبل البلوغ»، والذي يعتبر مؤشراً صادقاً لرعاية النشء، وكذلك المبادرة الواعية التي تدرس السلوك الديني بين تصعيد العاطفة وضعف الوعي، والالتفات للأسرة كحاضن ومكون ري?يسي للأطفال والصغار والشباب، والمبادرة المتجهة نحو تشخيص وتحليل ومعالجة الإسلاموفوبيا، و«معاداة السامية»، وصولاً لصياغة السلوك الحضاري لدى الشباب المتدين، والبحث في أسباب التطرف، وسبل القضاء عليه، وتسليط الضوء على أبرز الأخطاء والتداعيات في تشخيص ومعالجة الحريات الدينية، إضافةً لمبادرة تفكيك سلبيات العقل الجمعي، وما قد ينتج عنها من حلول ناجعة وسريعة التأثير، وبخاصة بعد دراسة ا?سباب عدم فعالية جهود مكافحة التطرف فكرياً، وطرح عدة مبادرات لمعالجة توظيف التطرف العنيف للإعلام الجديد، وتمثيلها من خلال خوارزميات دقيقة من الإحصاءات والقياسات التي تجعل المسافة للحل أكثر قرباً، بالتعاضد مع غيرها من المبادرات الهادفة والحكيمة الاختيار.

إن الغاية العليا من المشاريع التنموية الهادفة تتحقق من خلال الأرضية الإعلامية الخصبة، إذا ما تمت بتجذير نقي للأفكار، مع مراعاة «من» المقصود، و«ما» النتيجة النهائية، فإذا ما تم التمعن في «من» وهم الشباب، وأحطنا بما يُدس لهم من تجييش عاطفي وفكري من خلال المعتقد، وتسميم أفكارهم بما يتعلق بثوابتهم ووطنهم وأخلاقياتهم، لزمنا السعي لتوفير ترياق ليس للعلة بعده عودة، فإذا كان معظم العقاقير الدوائية المهمة، لا تصرف إلا بوصفة طبية! فكيف بـ«منهج» وشريعة وقوام حياة أن يتخذ على محمل وصفة سحرية تلقم للعقول، من خلال شعارات براقة تخفي وراء خاصرتها «مستودعات التطرف»، وتعتدي على حرمة العقول دون إقامة أدنى اعتبار لمكانتها ورسالتها وضرورة صونها!

ما ذكر آنفاً يضاعف الأمل، بزهو غد يصدح صوته ولا يندثر، مرشداً سبل احتضان التعدد الثقافي والديني وثقافة التسامح، وصائناً الهوية الوطنية، ومبرزاً دورها في بناء الأمن الفكري، تحت مظلة الأعراف الدولية وتشريعاتها، ونابذاً مصانع الأفكار والأيديولوجيا والبيئات المغذية للتطرف والداعمة للإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، من خلال شباب واعٍ متسلح بالعلم والمعرفة، ومدرك ألا فرق بين التطرف والتطرف العنيف، ولا قبول لغلط وجود «تطرف محمود»، وآخر منبوذ، وهذا ما يتماشى مع الحقيقة، ومفادها بأن المصابين بداء التطرف، ومن دون استثناء، يعيشون حالة من«القطيعة» مع الذات، ومع الآخر، ومع المحيط الخارجي، وأن الحالة الفطرية السليمة هي إدراك حتمية الاختلاف والتنوع والتعدد بين الناس، والتناغم مع هذه الحقيقة، بفهم ما تضم من ثروات إيجابية تكنز التجارب والخبرات، وتنقل العالم من المستوى «البشري» إلى سمو «الإنسانية».

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد