فاتح عبدالسلام
الصور التي يجري التقاطها من الجو لساحة التحرير في التغطية الاخبارية لانتفاضة العراقيين ضد الفساد والظلم ، لفتت انتباه عدد من الاعلاميين الذين لم يزوروا بغداد منذ عقدين من الزمان . وأول ملاحظة قالوها هي ان هذا الميدان الكبير، ساحة التحرير ، قلب بغداد، بقي على حاله ، ولا يوجد مبنى جديد حوله ، والمباني القديمة ازدادت تآكلاً ، وان دولة بلا نفط مثل الاردن حولت الى ميدانها القديم في العبدلي الى اجمل المناطق التجارية والسياحية الحديثة، فما الذي يجري في البلد الغني ؟
كان الصحفيون يظنون انّ بغداد حين تخرج من الحصار وتسيل الموازنات المليارية النفطية في خزائنها سوف تلتفت إلى واجهتها الاساسية، ساحة التحرير التي لم تعرف عمارات حديثة تأخذها العين بالاعتبار، سوى عمارة مهملة لمطعم وتحمل اسماً غير عراقي.
حين علموا ان نصب الجندي المجهول كان ذات يوم هناك، تأكدت لهم أهمية الموقع لاسيما انه قرب جسور حيوية .
لكن كثيراً من المتسائلين لا يعرفون ان الحكومات المتعاقبة كانت تقبع في قصور مشيدة داخل المنطقة الخضراء المعزولة عن العراق كله وليس بغداد حولها ، وانّ الوزراء لا تنزل اقدامهم الى شوارع العاصمة العربية الأقدم في التاريخ ، وإذا مروا من شوارعها نادراً فإنّ عيونهم لا تلتقط من روح بغداد شيئاً، وربّما يرون فيها مدينة غريبة ، خيم عليها تعب الحصار والحروب ولا وقت ولا موافقة سياسية لتنهض من صورتها المعتمة لتكون بما تمتلكه من روح أهلها وتراثها وعمق تاريخها وتعلق قلوب العرب بها ،ما يجعله الأجمل في الشكل المعماري، والأروع في انسياب الخدمات وحركة المواصلات .
وتساءل صحفي عربي : ألا يسافر المسؤولون العراقيون إلى الخارج ليروا عواصم دول عربية فقيرة وقد اعتنت بمخططاتها المدينية والحضرية والخدمية ولم تقف قلة الموارد عائقاً أمام العمل.
هناك جهود فردية هنا وهناك في جماليات بغداد، لا أحد ينكر ذلك ، لكنها عاصمة تستحق ما تمتلكه العواصم الكبرى في العالم ، لاسيما انّ أهلها من أغنى الأغنياء في الثروات النفطية لبلدهم ، لكن مع الأسف انّ ذلك الغنى بحسب السجلات فقط .
هنا التفت الصحفي العربي وقال متأثراً : أحقاً تنتظرون من الصين أن تجمل عاصمتكم وتنظفها وتبني فيها ناطحات سحاب؟