: آخر تحديث

بغداد من الجو

59
59
53
مواضيع ذات صلة

 فاتح عبدالسلام

الصور‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬التقاطها‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬لساحة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬التغطية‭ ‬الاخبارية‭ ‬لانتفاضة‭ ‬العراقيين‭ ‬ضد‭ ‬الفساد‭ ‬والظلم‭ ‬،‭ ‬لفتت‭ ‬انتباه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاعلاميين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يزوروا‭ ‬بغداد‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ . ‬وأول‭ ‬ملاحظة‭ ‬قالوها‭  ‬هي‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬الكبير،‭ ‬ساحة‭ ‬التحرير‭ ‬،‭ ‬قلب‭ ‬بغداد،‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬مبنى‭ ‬جديد‭ ‬حوله‭ ‬،‭ ‬والمباني‭  ‬القديمة‭ ‬ازدادت‭ ‬تآكلاً‭ ‬،‭ ‬وان‭ ‬دولة‭ ‬بلا‭ ‬نفط‭ ‬مثل‭ ‬الاردن‭ ‬حولت‭ ‬الى‭ ‬ميدانها‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬العبدلي‭ ‬الى‭ ‬اجمل‭ ‬المناطق‭ ‬التجارية‭ ‬والسياحية‭ ‬الحديثة،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الغني‭ ‬؟

كان‭ ‬الصحفيون‭ ‬يظنون‭ ‬انّ‭ ‬بغداد‭ ‬حين‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬وتسيل‭ ‬الموازنات‭ ‬المليارية‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬خزائنها‭ ‬سوف‭ ‬تلتفت‭ ‬إلى‭ ‬واجهتها‭ ‬الاساسية،‭ ‬ساحة‭ ‬التحرير‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬عمارات‭ ‬حديثة‭ ‬تأخذها‭ ‬العين‭ ‬بالاعتبار،‭ ‬سوى‭ ‬عمارة‭  ‬مهملة‭ ‬لمطعم‭ ‬وتحمل‭ ‬اسماً‭ ‬غير‭ ‬عراقي‭.‬

حين‭ ‬علموا‭ ‬ان‭ ‬نصب‭ ‬الجندي‭ ‬المجهول‭ ‬كان‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬هناك،‭ ‬تأكدت‭ ‬لهم‭ ‬أهمية‭ ‬الموقع‭ ‬لاسيما‭ ‬انه‭ ‬قرب‭ ‬جسور‭ ‬حيوية‭ .‬

لكن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المتسائلين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬ان‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬كانت‭ ‬تقبع‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬مشيدة‭ ‬داخل‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬المعزولة‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬كله‭ ‬وليس‭ ‬بغداد‭ ‬حولها‭ ‬،‭ ‬وانّ‭ ‬الوزراء‭ ‬لا‭ ‬تنزل‭ ‬اقدامهم‭ ‬الى‭ ‬شوارع‭ ‬العاصمة‭ ‬العربية‭ ‬الأقدم‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬،‭ ‬وإذا‭ ‬مروا‭ ‬من‭ ‬شوارعها‭ ‬نادراً‭ ‬فإنّ‭ ‬عيونهم‭ ‬لا‭ ‬تلتقط‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬بغداد‭ ‬شيئاً،‭ ‬وربّما‭ ‬يرون‭ ‬فيها‭ ‬مدينة‭ ‬غريبة‭ ‬،‭ ‬خيم‭ ‬عليها‭ ‬تعب‭ ‬الحصار‭ ‬والحروب‭ ‬ولا‭ ‬وقت‭ ‬ولا‭ ‬موافقة‭ ‬سياسية‭ ‬لتنهض‭ ‬من‭ ‬صورتها‭ ‬المعتمة‭ ‬لتكون‭ ‬بما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬أهلها‭ ‬وتراثها‭ ‬وعمق‭ ‬تاريخها‭ ‬وتعلق‭ ‬قلوب‭ ‬العرب‭ ‬بها‭ ‬،ما‭ ‬يجعله‭ ‬الأجمل‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬المعماري،‭ ‬والأروع‭ ‬في‭ ‬انسياب‭ ‬الخدمات‭ ‬وحركة‭ ‬المواصلات‭ . ‬

وتساءل‭ ‬صحفي‭  ‬عربي‭ ‬‭:‬‭ ‬ألا‭ ‬يسافر‭ ‬المسؤولون‭ ‬العراقيون‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬ليروا‭ ‬عواصم‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬فقيرة‭ ‬وقد‭ ‬اعتنت‭ ‬بمخططاتها‭ ‬المدينية‭ ‬والحضرية‭ ‬والخدمية‭ ‬ولم‭ ‬تقف‭ ‬قلة‭ ‬الموارد‭ ‬عائقاً‭ ‬أمام‭ ‬العمل‭.‬

هناك‭ ‬جهود‭ ‬فردية‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬جماليات‭ ‬بغداد،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬لكنها‭ ‬عاصمة‭ ‬تستحق‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬العواصم‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬لاسيما‭ ‬انّ‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬الأغنياء‭ ‬في‭ ‬الثروات‭ ‬النفطية‭ ‬لبلدهم‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬انّ‭ ‬ذلك‭ ‬الغنى‭ ‬بحسب‭ ‬السجلات‭ ‬فقط‭ .‬

هنا‭ ‬التفت‭ ‬الصحفي‭ ‬العربي‭ ‬وقال‭ ‬متأثراً‭ ‬‭:‬‭ ‬أحقاً‭ ‬تنتظرون‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬تجمل‭ ‬عاصمتكم‭ ‬وتنظفها‭ ‬وتبني‭ ‬فيها‭ ‬ناطحات‭ ‬سحاب؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد