: آخر تحديث

الحروب بالوكالة في الوطن العربي 

71
61
63
مواضيع ذات صلة

 الحسين الزاوي

شهد الوطن العربي خلال السنوات الماضية انتشاراً مذهلاً لظاهرة الحروب بالوكالة في سياق جيوسياسي تميز بتفكك دول عريقة، وتوجّه دول أخرى نحو الفشل بسبب مواجهتها لمشاكل سياسية وأمنية كبرى، وذلك تزامناً مع بروز لافت للجماعات الطائفية المسلحة التي استطاعت أن تشكل في وقت قياسي كيانات سياسية مستقلة عن السلطة المركزية للدول. ويمكن القول إن الدول العربية باتت تشكل في الزمن الراهن المكان المفضل لمجمل صراعات القوى الدولية والإقليمية، الهادفة إلى تصفية حساباتها، حيث تحولت الجغرافيا السياسية للوطن العربي إلى رقعة شطرنج كبيرة لإدارة الحروب بالوكالة، وخاصة مع مطلع الألفية الجديدة.
ويجب التذكير في هذه العجالة بأن الحروب بالوكالة قد انتقلت من صراع تقليدي على تقاسم النفوذ بين الشرق والغرب في سياق الحرب الباردة، إلى حروب أكثر شراسة وتدميراً منذ سقوط حائط برلين وانتقال الصراع من خانة المواجهة ما بين الدول إلى مواجهات داخل الدولة الواحدة، بين فاعلين محليين يخدمون أجندات قوى إقليمية ودولية، كما انتقلت هذه الحروب من مجرد وضعية سياسية أملتها رغبة القوى الكبرى في تجنب حرب نووية مدمرة، إلى ممارسة جيوسياسية قائمة على استراتيجيات ومفاهيم واضحة مع تنظيرات بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر.
وبالتالي فقد قادت تحولات الحروب بالوكالة المستندة إلى طابع المواجهات الداخلية، إلى تفتيت العديد من الدول الوطنية وإلى إنشاء دول افتراضية على أنقاض دول تفككت مؤسساتها السيادية. ويشير برتراند بادي في هذا السياق، إلى أن هذه الدول الافتراضية، أضحت تمتلك أجنداتها الخاصة التي تؤثر في المشهد السياسي العالمي بشكل غير مسبوق، وتنافس بقوة أجندات القوى التقليدية الكبرى.
ويتجه مسار الحروب بالوكالة في الوطن العربي في المرحلة الراهنة إلى تدشين مرحلة جديدة وخطرة من المواجهة والتصعيد في ليبيا، بعد توقيع تركيا مع حكومة الوفاق الليبية لاتفاقية عسكرية وبحرية يمكنها أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد، وإلى تهديد الأمن القومي لدول المنطقة بسبب خرقها للحظر الدولي المتعلق بتسليم الأسلحة للأطراف المتصارعة، وذلك علاوة على تلويح أردوغان بإرسال جنوده إلى طرابلس الغرب؛ الأمر الذي يفسر بشكل واضح قلق مصر واليونان وقبرص وأعضاء من الاتحاد الأوروبي بشأن هذه الخطوة التركية التي تأتي في مرحلة تشهد فيها كثير من دول شمال إفريقيا، توترات سياسية وأمنية، خاصة أيضاً أن الدعم التركي المتزايد لميليشيات الإسلام السياسي غربي ليبيا، يمكنه أن يشجع على انتقال مزيد من الجماعات المتشددة من مناطق النزاع في المشرق العربي إلى دول المغرب العربي.

وتجدر الإشارة إلى أن وتيرة الحروب بالوكالة في الوطن العربي ازدادت خطورتها على الأمن القومي العربي خلال السنوات الأخيرة؛ إذ إنه وإضافة إلى المحور الذي كانت تقوده الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة، والذي أفرز العديد من التوترات في المنطقة العربية، فإن المحور القائم بين روسيا وتركيا وإيران، كان له دور بارز في تأزيم الأوضاع وفي إطالة أعمار الحروب بالوكالة.
كما أن حكومة أنقرة بزعامة رجب طيب أردوغان ما زالت تصر على استباحة حرمة الأراضي السورية من خلال التوغل المباشر شمالي سوريا تارة، ومن خلال دعم الميليشيات التابعة لها تارة أخرى، وذلك تزامناً مع قيام الدول الغربية بتوظيف الملف الكردي لصالحها.
ويمكن أن نخلص بناء على ما تقدم، إلى أنه منذ تراجع أولويات الأمن القومي العربي بعد غزو الكويت، فإن ظاهرة الحروب بالوكالة في الوطن العربي وفي الفضاءات الجيوسياسية القريبة منه، تزداد تفاقماً، بعد أن باتت القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها أمريكا وروسيا والقوى الإقليمية، تفضل أن تحوِّل الجغرافيا العربية إلى ساحة لتنفيذ أجنداتها من خلال تأجيج الحروب بالوكالة، ومن خلال تهديد استقرار دول عربية محورية مثل السعودية ومصر، فضلاً عن الدور العدائي التاريخي ل«إسرائيل» في المنطقة، والذي يستثمر لصالحه مجمل تحركات القوى الغربية في المنطقة العربية.

  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد