: آخر تحديث

بين الشعبوية والشعوبية  

64
70
69
مواضيع ذات صلة

 حسن حنفي


لفظ الشعبوية غير مألوف في اللغة العربية، وهو يختلط بلفظ آخر هو «الشعوبية». الأول مشتق من المفرد «شعب»، والثاني من الجمع «شعوب»، ولهما معنيان متضادان. الشعوبية تحمل معنى سلبياً، وهو الانتماء لشعب معين والتعصب له. ويحدث ذلك في الإمبراطوريات التي تضم شعوباً كثيرة وأقواماً متعددة. وهو ما يخيف الدول الوطنية المكونة من عدة قوميات عندما تتحول إلى شعوبيات، أي إلى قوميات متطرفة تحل محل الدولة الوطنية متعددة الطوائف والأعراق. أما «الشعبوية» فتعني الاعتماد على الشعب وليس على حكم الفرد أو الجماعة، وكلها أقل من الدولة الوطنية.
ولكل لفظ معنى إيجابي ومعنى سلبي في الممارسة العملية والتاريخية. فالشعبوية إيجاباً تعني الاعتماد على الشعب والاستقواء به، مثل كثير من القادة التحرريين في «العالم الثالث». الشعبوية هي تجنيد الشعب والاعتماد عليه في الحكم اعتماداً مباشراً أو عن طريق حكم ائتلافي. فهي الحكم الشعبي المعتمد على الجماهير. إنها تجنيد الشعب وراء الزعيم أو القائد الذي يصبح في هذه الحالة «روح الأمة».

والشعبوية ضد ما يسمى «حزب الكنبة»، أي الحزب الذي لا جماهير له. لذلك تعني الشعوبية الالتزام بقضايا الشعب ضد ظواهر مثل الهجرة الشرعية وغير الشرعية والانتماء للوطن دون طائفة أو عرق أو دين أو مذهب. إنها استلهام روح الأمة بأكملها. فالزعيم هو الشعب، والشعب هو الزعيم. وكما قال ديجول «أنا فرنسا». وعندما طُلب منه أن يكون عضواً في الأكاديمية الفرنسية أجاب: «وكيف تدخل فرنسا الأكاديمية الفرنسية؟».
وتعني الشعبوية سلباً كل تجمع مزيف، مثل الطائفية والقبلية والعرقية. وبعض الحركات الشعبوية تتحرك باسم طائفة وليس لصالح الشعب، لاسيما في ظل غياب مفهوم المواطنة الذي يَجمع الكل بغض النظر عن طوائفهم. وهكذا فالمفهوم السلبي للشعبوية يضم الديماغوجية والثورة المضادة.
الشعبوية عند أصحابها وقادتها مفهوم إيجابي لاعتمادها على الناس وليس على الفرد (الزعيم) أو الجماعة (الجماعة الدينية). الشعبوية هي السيطرة من خلال الجماعة على المجتمع باسم الأيديولوجيا، كما فعلت النازية والفاشية. وهي تقترب في هذه الحالة من الشعوبية التي تهيمن باسم القومية أو العرقية المطلقة والتي تستبعد القوميات الأخرى، كما تفعل الصهيونية عندما حولت اليهودية إلى دين قومي لليهود، وإسرائيل إلى دولة قومية لهم، وقامت باستبعاد الفلسطينيين وطردهم من أرضهم وإجبارهم على مغادرة وطنهم.

وهناك من العرب زعماء شعبويون اعتمدوا على تأييد الجماهير لهم، مثل ناصر وقت التأميم عام 1956 والتمصير عام 1957، والوحدة مع سوريا (1958-1961) وجنازته في عام 1970. وقد تتجلى الشعبوية في «ثورة» يستولي خلالها الشعب على الحكم بنفسه، فإذا ما فشلت الثورة تحولت إلى حكم شعوبي أو إلى حرب أهلية بين السلطة ومعارضيها أو بين طوائف المجتمع. الشعبوية في هذه الحالة ثورة مضادة مثل الشعوبية. وفي كلتا الحالتين الشعب هو الخاسر. في الشعوبية تضحية بالوطن والمواطنة، وفي الشعبوية التضحية بالشعب لصالح الزعيم أو القائد التاريخي. في الشعبوية يتم تجنيد الشعب لصالح الزعيم، ويستخدم الزعيم الشعب لصالح زعامته، وكلاهما خاسر. الشعب خاسر لأنه تنازل عن حقه لصالح فرد، والزعيم خاسر لأنه استعمل الشعب لصالحه الشخصي. فروح الجماعة تتجسد في الزعيم، والزعيم يجسد روح الجماعة، مع أن كل ذلك لا يغني عن التشاور بين الطرفين. وتظل الشعبوية عاملا إيجابياً في التاريخ. فهي التي حطمت حائط برلين، وهي التي أسقطت النظم الاشتراكية في أوروبا الشرقية.

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد