: آخر تحديث

تسونامي الأزمات العربية!

45
38
44
مواضيع ذات صلة

 إبراهيم الصياد 

سألني صديق لي هل تعتقد أن ما يحدث في ليبيا والجزائر والسودان هو من قبيل المصادفة البحتة؟ أجبت بالطبع: "لا"، غير أنه على رغم وجود دلائل ترتقي إلى مستوى اليقين أن ثمة مؤامرة حيكت وتحاك ضد العالم العربي، إلا أنني لا أفضل المنهج السهل في التحليل الذي يعتمد عليه كثير من الباحثين والكتاب في تفسير الأحداث conspiracy theory أو نظرية المؤامرة. ومن الأوقع القول أن رد أي قضية محل الدراسة إلى عناصرها الأولية يعتبر الضرورة الموضوعية لفهم أبعادها قبل البحث في نتائجها وتداعياتها، وبالتالي ما تشهده الدول الثلاث الآن وما شهدته دول عربية أخرى من قبل يرجع إلى حالة يمكن أن يطلق عليها "قلة المناعة" أو الضعف العربي، مثل المرض الذي يبحث عن أضعف منطقة لكي يصيب الجسد. والشيء نفسه بالنسبة للعالم العربي، إذ نلاحظ أنه يسهل اختراقه من خلال أضعف ما فيه وهو من وجهة نظري هشاشة بعض أنظمته وصراع السلطة فيها.


نوضح بأنه إذا كان العرب في قوة ومنعة منذ أن روَّجت كونداليزا رايس نظرية "الفوضى الخلَّاقة" التي خرجت من رحِم مشروع شيمون بيريز "الشرق الأوسط الكبير"، لما استطاعت أن تؤثر أفكار رايس أو غيرها في المنطقة العربية، وما كنا شهدنا ظاهرة الإرهاب أو محاولة تدمير المجتمعات من الداخل بإثارة التوترات من دون أن يكون هناك تدخل خارجي مباشر وهو ما يعرف بحروب الجيل الرابع.

وعليه سهَّل عدم وجود إرادة جماعية للعرب انفراط العقد العربي، ما شجع البعض على تسويق صفقات مشبوهة مثل ما يُعرف "إعلامياً" بـ"صفقة القرن"؛ على اعتبار أنها حل براق لما يعانيه العالم العربي. وهي -أي الصفقة- ليست إلا أداة من أدوات تنفيذ مخطط لتفتيت العالم العربي إلى دويلات مهمشة. ففي 2011 الذي مثَّل بداية ثورات الربيع العربي، انقسم السودان إلى سودانيين؛ شمالي وجنوبي بعد أن كانت مصر والسودان في يوم من الأيام دولة واحدة. ونضيف إلى ما تقدَّم أنه حدث توظيف لهذه الثورات؛ ليس لمساعدة الشعوب على النهوض، وإنما لبث الفرقة بين الشعب الواحد بزرع جماعات وتنظيمات متطرفة في الأرض العربية. وكانت العراق وسورية المثل الواضح على ذلك، لكن ليبيا هي المثل الأوضح اليوم حيث تدار أزمة هذا البلد وفق هذا الاتجاه مستندة في النهاية على الفكرة الأصل المتمثلة في تحويله إلى ثلاث دويلات: برقة وطرابلس وفزان. أما في الجزائر فيوجد حراك شعبي ينادي بالتغيير مثله مثل الحراك الموجود في السودان، وهو في حد ذاته تطور إيجابي، غير أنه لم يتمكن حتى الآن من تقديم بدائل سياسية تترجم عملية التغيير إلى مشروع وطني يحقق الاستقرار سواء للشعب الجزائري أو الشعب السوداني، مع الفارق أن المؤسسة العسكرية السودانية كان لها اليد الطولى في تنفيذ عملية التغيير، لكن عقدة "العسكرة" ظلت هاجساً يسيطر على الشارع السوداني ما يتطلب التخلص من هذه العقدة والاستفادة من كون المؤسسة العسكرية هي دائماً الأكثر تنظيماً وانضباطاً ووطنية في أي دولة متحضرة. على أي حال جعلت هذه العقدة الأزمة في الجزائر أو السودان تدور في حلقة مفرغة. ونسلم في الوقت نفسه بأن الأزمات العربية كافة يتسم كل منها بقدر من الخصوصية بالنظر إلى الوضع الحالي في ليبيا نجد أن الحراك الشعبي منقسم على نفسه بين حكومة السراج ومقرها طرابلس ومعتمدة على المليشيات المسلحة وجيش ليبيا الوطني القادم من الشرق الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والمدعوم من كثير من الدول العربية لأنه يدعو إلى استقرار ووحدة الأراضي الليبية، أما خصوصية الوضع في الجزائر يتمثل في أن الحراك الشعبي فقد الثقة في كل رموز عهد بوتفليقة ما يجعل المرحلة الانتقالية صعبة للغاية في حين يفتقد الحراك السوداني القدرة على تقديم الحل لإقامة حكم مدني.

وكان من المفترض أن تجد الأزمات العربية حلولها بمعرفة التنظيم الإقليمي العربي؛ جامعة الدول العربية، غير أن الجامعة اليوم باتت من الضعف إلى حد العجز عن مواجهة "تسونامي" الأزمات العربية؛ سواء القديمة أم الجديدة. وهكذا يصبح البديل العقلاني هو البحث عن جامعة أخرى أو اتحاد عربي جديد من حيث الشكل والمضمون لديه القدرة على التعاطي مع المشكلات العربية ومواجهة مخطط التفتيت. لا سبيل إلى تجاوز حالة الضعف العربي إلا بإنشاء وتفعيل ثلاثة اتحادات عربية بالإضافة إلى مجلس التعاون الخليجي القائم فعلاً، لتكون نواة الجامعة العربية الجديدة وهي: اتحاد الدول العربية في شمال أفريقيا ويضم مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. اتحاد الدول العربية المطلة على البحر الأحمر ويشمل السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وجيبوتي والصومال ويمكن أن تنضم إليه جزر القمر. اتحاد الدول العربية شرق البحر المتوسط ويضم الأردن وسورية ولبنان وفلسطين والعراق.

لو عمل كل تكتل وفق مصالحه القومية وسعى لاحتواء أزمات أعضائه وكوَّن نسيجاً متناغماً في ظل تنظيم إقليمي جديد فاعل له مصالح عليا مشتركة تحت مسمى "اتحاد الدول العربية" لأمكننا عبور عنق الزجاجة وتخطي "تسونامي الأزمات" بسلام. وقد يكون كل ما ذكرته من باب الحلم العربي، عندما نتأمل أحوالنا بعمق، لكنه قد يكون بداية المشروع العربي المنتظر لمواجهة المشروع الصهيوني الذي لا يخفى على أحد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد