: آخر تحديث

وداعا للتقشف .. أوروبا تفتح صنابير الإنفاق    

71
70
59
مواضيع ذات صلة

 FINANCIAL TIMES

وداعا للتقشف .. أوروبا تفتح صنابير الإنفاق     

 كريس جايلز 

ما يحدث هو تغيير جذري دون إحداث ضجيج تقريبا. في جميع أنحاء أوروبا تقترب سنوات من التقشف المؤلم في كثير من الأحيان، من نهايتها في الوقت الذي تتدرج فيه الحكومات من التبذير التقليدي إلى الإنفاق الفضفاض الأكثر تحفظا، وتحتضن الحاجة إلى التحفيز المالي.
تخفيف الضغط عن الميزانيات الأوروبية كان واضحا في الخطط المالية منذ بعض الوقت، لكن الآن فقط، مع معاناة الاقتصاد الأوروبي من تباطؤ حاد وغير متوقع، أصبح ذلك أحد السبل الرئيسة لتفادي تراجع حاد. ويعتقد خبراء اقتصاديون أن الحقن المالي، الذي حدث بالمصادفة أكثر منه بالتخطيط، ربما جاء هذه المرة في الوقت المناسب. 
إريك نيلسن، رئيس قسم الأبحاث في مصرف يوني كريديت، اعتبر أن هذا يظهر أن الحكومات كانت واعية بالمخاطر المتمثلة في أن الآفاق الاقتصادية الضعيفة في القارة يمكن أن تزداد سوءا – وأن البنك المركزي الأوروبي لم يعد الخيار الوحيد عندما يتعلق الأمر بمعالجة المشكلات، خاصة في القطاع الصناعي المتعثر.


وقال، "من السابق لأوانه التفاؤل بشأن البيانات الاقتصادية". وأضاف، "مع ذلك، في وزارات (الحكومات الأوروبية)، المزاج والرغبة في القيام بشيء لا يختلفان تماما عن أعوام التقشف".
التحفيز من المالية العامة في أوروبا بعيد إلى حد كبير عن خفض الضرائب الضخم الذي أعلنه دونالد ترمب للشركات، لكنه ظهر في التقييمات الاقتصادية للمنظمات الدولية الرائدة. المفوضية الأوروبية لاحظت الأسبوع الماضي أن من المحتمل تجنب الانزلاق إلى الركود، جزئيا نتيجة "لموقف السياسة المالية العامة التوسعي" الذي اتخذته الدول الأعضاء.
الأرقام الأخيرة من المفوضية بشأن التغييرات الهيكلية في ميزانيات أعضاء منطقة اليورو من تشرين الثاني (نوفمبر) لا تشمل كثيرا من عمليات حقن الأموال التي حدثت أخيرا. لكن حتى في نهاية العام الماضي كانت أكبر ثلاثة اقتصادات في منطقة اليورو - ألمانيا وفرنسا وإيطاليا - تخطط جميعها لتحفيز مالي بما لا يقل عن 0.4 في المائة من الدخل القومي في عام 2019.
وفقا لصندوق النقد الدولي، هذا رقم مهم لكنه لا يزال مجرد ربع الحوافز المالية الأمريكية بين 2017 و2019.
التفكر الاقتصادي تحول إلى حد كبير منذ السنوات الأولى في هذا العقد، وهو الآن مرتاح مع مستويات السندات المرتفعة. هذا صحيح بشكل خاص لأن عبء خدمة الديون آخذ في الانخفاض مع تحسن النمو الاقتصادي.
في تقرير حديث عن الاقتراض السيادي، قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن التوازن بين أسعار الفائدة المستحقة على الديون الحكومية ونمو الاقتصادات المتقدمة "تحسن إلى حد كبير وأدى إلى إبطاء نمو نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة".
الاقتصاديون كذلك يدركون الحاجة الملحة إلى تطوير البنية التحتية المتداعية في كثير من الدول الأوروبية. وبالرغم من أن هناك تحفيزا يجري في أنحاء أوروبا جميعها، إلا أنه لا يزال بعيدا عن كونه محاولة منسقة، سواء لمكافحة التباطؤ الاقتصادي، أو تحسين قدرة البنية التحتية للقارة.
في فرنسا، بسبب المتظاهرين المناهضين للحكومة اضطر إيمانويل ماكرون إلى تراجع مهين عن زيادات ضريبية مقررة على الوقود، وإلى تقديم دعم إضافي لأصحاب المعاشات التقاعدية الأفقر، ما أدى إلى زيادة العجز المالي في فرنسا وكسر حد الاقتراض الذي حدده الاتحاد الأوروبي بـ 3 في المائة من الدخل القومي. 


في إيطاليا تم مؤقتا نزع فتيل مواجهة مع المفوضية الأوروبية بشأن خطط روما لتخفيف القيود على المالية العامة، لكن ليس لدى وزراء الحكومة الإيطالية أدنى شك في أنهم بحاجة إلى مزيد من المرونة لتعزيز دخول الناس الأكثر فقرا وتلبية التعهدات الانتخابية التي قطعها قادتهم الشعبويون. 
ألمانيا أدخلت حوافز ضريبية كبيرة لتشجيع الاستثمار، رغم أن أولاف شولز، وزير المالية، شدد في الأسبوع الماضي على أن البلاد ملتزمة بسياسة "الصفر الأسود" الخاصة بها التي تحقق فائضا على الدوام.
بعض الاقتصاديين يحثون المفوضية على الاعتراف بالطريقة التي تهب بها الريح وإضافة مزيد من المرونة إلى القواعد التي يجب على بلدان منطقة اليورو اعتمادها، مثلا، من خلال قواعد تسمح بشكل خاص للبلدان بالاستفادة من التكلفة المنخفضة للاقتراض لزيادة الديون من أجل المشاريع الاستثمارية.
كريستيان أوديندال، كبير الاقتصاديين في "مركز الإصلاح الأوروبي"، وهو مؤسسة فكرية، دعا إلى إعادة صياغة شاملة لقواعد الميزانية، مجادلا بأنها أدت إلى تضخم حالات الطفرة والانهيار في اقتصاد منطقة اليورو.
قال، "قواعد المالية العامة لأوروبا لا تسمح بحوافز كافية في فترة الركود، بينما تسمح بكثير من الإنفاق خلال فترة الازدهار". وأضاف، "إصلاح قواعد المالية العامة لحماية الإنفاق الاستثماري وسن سياسات مقاومة بشكل قوي للتقلبات الدورية سيساعد على مواجهة التباطؤ الحالي".
مع توقع أن يصل العجز الإجمالي في منطقة اليورو إلى 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، مقارنة بـ 5 في المائة في الولايات المتحدة، وتزايد التباطؤ، فإن الضغط من أجل مزيد من الحوافز المالية سيتنامى على الأرجح.
وعلى الرغم من أن الاقتصاديين يدعمون بشكل متزايد مثل هذا الإجراء، إلا أنهم لا يزالون يعربون عن قلقهم بشأن فاعليته. 


قال نيلسن إن الجهود الرامية إلى إيقاف الانكماش الاقتصادي لا يمكن ضمان نجاحها، مضيفا، "من الصعب دائما تحديد التوقيت المناسب وجعل الإجراء فعالا، لكنني لا أرى مخاطر سلبية، مثلا، حافز بنسبة 1 في المائة من الدخل القومي للناس الأكثر فقرا".
آخرون لا يزالون قلقين من أنه على الرغم من أن آفاق الديون الحكومية تبدو أكثر ملاءمة، مع نمو معقول وأسعار فائدة منخفضة، إلا أن هذه الأوضاع قد لا تدوم.
جورج باكلي، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في شركة نومورا، قال، "في الواقع، ألمانيا وحدها من بين الاقتصادات الأربعة الكبرى لديها فسحة مالية كافية لزيادة الدعم المالي، إذا لزم الأمر".
حتى لو حدث ذلك، من المستبعد أن يكون الحافز الألماني وحده كافيا لإنقاذ اقتصاد منطقة اليورو بالكامل، حسبما قال أندرو كيننجهام، من شركة كابيتال إيكونوميكس. "دعم أكبر من ذلك بكثير سيكون ضروريا فعلا من أجل رفع النمو الاقتصادي في اتحاد العملة ككل".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد