: آخر تحديث

الاضطراب السكاني .. قنابل ناعمة  

65
70
60
مواضيع ذات صلة

عبدالله بشارة 

باستثناء دول الخليج، لا دول في هذا الكون تستضيف وافدين أكثر من أعداد مواطنيها، فمهما احتاجت الدول إلى سواعد مستوردة وخدمات غائبة، فلا تتساهل في تقبُّل أعداد تصعِّد من أزماتها وتضعف تركيبتها البنيوية، لأن كل شيء يتم وفق خطة وطنية شاملة تشارك فيها كل الهيئات الرسمية والتجمعات الشعبية، بوعي تثقيفي من وسائل الإعلام الأهلية والرسمية بضرورة الحفاظ على الانسجام السكاني، تأميناً للهدوء والاستقرار.
استوعبت دول الخليج الكثير من الوافدين رغبة بملاحقة التطور والإسراع في اكتمال جهاز الدولة بكل جوانبه، مع غياب خطة مرسومة لهذا التوجُّه.
وكان الوعي العام الخليجي في المقاربة مع هذه الحالة متفاوتاً بين دول مجلس التعاون، بعضها فضّل مبدأ الانفتاح المتسع على شروط الأمن، وبعضها سعى للتوازن، وانشغلت الكويت بقضايا الوجود مع صدام حسين الذي دمر كل شيء في الكويت، ومن بينها القيد الأخلاقي الرافض للتهديد في علاقات الجوار.


وأبدي بعض الملاحظات:


أولاً: خرجت الكويت من الغزو منتصرة، ولكنها محملة بأعباء خلفتها عملية الغزو، فلم يدخل الكويت منذ ولادتها جيش معادٍ يعبث بالمضامين النبيلة التي كونت شخصيتها، ومع الإطاحة بتلك النزعة الخيِّرة صار الفضاء الكويتي مختلفاً، بعد الوعي الصادم بأن اللوحة الجغرافية ملوثة، وأن الحذر والاحتراز النابع من شكوك الغزو هو المسار المريح للمستقبل، مع تقبل لشروط الأمن ومقتضياته في المعادلة السكانية بتصويبها لمقتضيات الضرورة وإلحاحات المجتمع المتطور.
ثانياً: يتطلب مشروع تعديل التركيبة السكانية خطة وطنية جماعية، تشترك فيها جميع آليات الدولة، بالوزارات والهيئات وكل ما فيها من تجمعات وبرلمان وفضاء وإعلام وفق برامج ثقافية متواصلة تربط تنفيذ المشروع بمهمة وطنية على علم بما سيواجهها من تخلٍّ عن الفائض من الترف والاسترخاء، ويتم تنفيذ هذا البرنامج مسنوداً بوحدة وطنية جماعية بمباركة السلطة، من دون ذلك تبقى مساعي فردية للوزراء وللهيئات وفق اجتهادات عابرة.
ثالثاً: أول خطوة لا بد من إلغائها نظام الكفيل المزري بسبب التضخم البشري المتواجد على أرصفة الشوارع بشكلٍ منفر، الذي استغله الكثيرون للثراء على حساب الأمن الوطني، كانت عندي سكرتيرة من الهند وطلبت مني مرات عديدة تأشيرة دخول لأخيها، فرفضت، وبعد شهرين جاءت تطلب مساعدتي لتوظيف أخيها الذي دخل الكويت، وسألتها كيف جاء إلى الكويت، فأجابت بأنها دفعت أموالاً مقابل ذلك.


آلاف من الجاليات جاءت بهذه الطريقة، ومن دخل لا يخرج، فكل ما فيها يغري أمناً واطمئناناً.
استبدال صلاحيات واسعة لهيئة القوى العاملة بالكفيل للإشراف على استحضار المطلوبين وفق ضوابط الحاجة، مع إشراف الهيئة على مكاتب العمالة المنزلية.
رابعاً: أتابع نظام الإحلال السعودي، الذي يدفع إلى تواجد مواطن مكان الوافد، وإذا تعذَّر فيتم دفع ضريبة من الشركة أو الهيئة المستفيدة من خدمات الوافد، بمبالغ تدفع هذه الشركات إلى الإسراع في برامج التوطين، كان ذلك الإجراء عاملاً مهماً في فتح المنافذ أمام آلاف الشباب السعودي، لتأمين حياة مستقرة.
يمكن تطوير هذا النهج بما ينسجم مع واقع الكويت، فلا يمكن الإقدام في مشروع وطني متكامل للاحلال من دون تعاون من جميع الفئات، الوزراء والنواب ورجال الأعمال والهيئات التثقيفية، مع تواجد إشراف دقيق بصلاحيات مؤثرة مقترنة بغيرة وطنية للأمن والاستقرار.
خامساً: التوسُّع في استنفار الطاقات التي تملكها مجموعات «البدون» المتواجدة والتي صار موضوعها عبئاً أخلاقياً وسياسياً وأمنياً ومالياً على الدولة، مع الاستفادة من أبناء وبنات الكويتيات المتزوجات من غير دول الخليج، فلا شك في أن فتح هذه الأبواب سيكشف الكثير من الطاقات التي تحل بديلاً عن بعض شرائح الوافدين، مع توسيع هذه الساحة عند نجاحها.
سادساً: نتحدث عن مخارج التعليم بشيء من الأمل رغم إدراكنا أن تحويل المجرى التعليمي بالكويت للاستنجاد به في هذا المشروع يتطلب وقتاً وقراراً خارج الصندوق المعتاد وحزماً مع حسم في التنفيذ.
يتألم الخريجون من الصدات لرغباتهم في العمل لأن إشكالية القطاع الخاص لا تستوعب أعداداً هائلة من الفائض السنوي من الخريجين، ويبقى الضغط على وظائف حكومية وفق مفهوم الدولة الرعوية.
يتصل بي عدد من الخريجين طلباً للعون والوساطة، وأشعر بالضعف أمام الأصوات المحتقنة من كثرة الصد والخيبة.
لا يستطيع القطاع العام استيعاب الباحثين عن عمل، والحل يبدأ بالتخصيص الواسع لامتصاص أعداد كثيرة موظفة بلا عمل، وفق أقدار الدولة الرعوية وليست لحاجتها.
سابعاً: تعترف الإحصاءات بأن هناك مئة وعشرة آلاف مخالف لقوانين الاقامة، ومعظمهم ترك الكفيل ومارس الأعمال الحرة، بلا التزام، متنقلاً من ساحات مكشوفة إلى أزقة وحارات يقل فيها تواجد السلطات الأمنية.
ومهما كانت حصيلة غارات الشرطة، تظل الأعداد تتكاثر، لأن المخالفات لا تحرم هؤلاء الشاردين من إيجاد أعمال متنوعة تؤمن حياتهم، فالكل يلتقط أي فرصة للبقاء والتهرُّب.
هناك ضرورة ملحة في فرض عقوبات على من يستفيد من الهاربين، مع رصد حقائق الزيارات العائلية والالتحاق بعائل، وهي أبواب يتسلل منها المستفيد بالبقاء.
لا مجاملة في الأمن ولا وساطات تضعفه، ولا جدل في أولوية المقولة «صحة الأبدان وأمن الأوطان».
تذوقت الكويت إسقاطات النوايا الحسنة، وأدركت متاعب انعدام الرادع، فكانت تجربة مؤلمة تدفع لامتلاك غريزة الأمن، وترسيخ أحاسيس الحذر، عبر ترتيبات تعيد التوازن بأغلبية وطنية قد لا تتحقق خلال سنة أو سنتين، إنما يمكن لها أن تتحقق خلال عشر سنوات، المهم انطلاق المشروع الأمني لتصويب الاضطراب السكاني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد